اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

معـونة الشتاء

 

في الاشهر الاولى لثورة 14/تموز/ 1958 ، ومع نمو النشاط السياسي للاحزاب التي كانت تعمل بسرية ، وانطلاقها في الإعلان عن نفسها ، وتنافسها للاستحواذ على اوسع قاعدة جماهيرية  تمكنها من تحقيق المكاسب السياسية ، إذ لم تكن هناك في ذلك الوقت مكاسب مالية ، ولم يكن هناك ـ وبخاصة في بداية هذه الثورة العظيمة ـ أي مظهر من مظاهر الفساد الاداري أو المالي ، بل العكس من ذلك ، فقد صدر قانون محاسبة مفسدي نظام الحكم والكسب غير المشروع ، أو ما اتفقت عليه جميع شرائح المجتمع على تسميته بـ ( قانون من اين لك هذا؟ ) والذي لا زال نافذاً غير ملغى ، والذي سيملأ خزائن الدولة بالاموال المستعادة من مفسدي نظم الحكم من المختلسين وسراق الاموال العامة ، لو فعّل العمل به في الوقت الحاضر ، ولأعاد التاريخ نفسه ، إذ يروى أن خزائن بيت المال امتلأت عندما حاسب الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز الولاة الظالمين والمختلسين .

في الاشهر الاولى لعمر تلك الثورة ـ ومع دخول فصل الشتاء ـ اطلق الحزب الشيوعي العراقي ، ومن خلال منظماته ـ السرية سابقا والعلنية لاحقاً ـ واعضائه في العراق كله ، حملته الشهيرة في ذلك الحين (والمنسية لاحقاً)  حملة معونة الشتاء ، التي كانت تعني جمع الملابس التي يمكن ان يستغني عنها بعض الاشخاص ، أو العوائل ، لتوزيعها على الآخرين ممن يحتاجون اليها .

وحسبما اتذكر فقد حققت تلك الحملة نجاحا باهراً  ، وسجلت اول نقطة لصالح ذلك الحزب واعضائه ، قبل أن  تبدأ اخطاؤه بالظهور .

المهم في الامر ـ وما أود ذكره بعد مرور نصف قرن على تلك المبادرة ـ أن الحزب الشيوعي العراقي نسى في هذه السنين (كما اعتقد) ما تمليه عليه المبادئ التي يعتنقها أو يبشر بها في عراقنا ، وخصوصاً ( الوطن الحر والشعب السعيد ) فإذا كان موضوع الوطن الحر في وقتنا الحاضر مسألة فيها نظر ، فلا ادري لماذا لا يعمل على تحقيق الشعب السعيد ؟

فأن كان سيبرر ذلك بأن حجم مشاركته في الحكم بوزير واحد فقط ونائب واحد في البرلمان ، الأمر الذي يجعل تحركه في تحقيق الشعب السعيد محدودا ، فانا اقول ان السبب الحقيقي اكبر من ذلك ، فهو مرتبط ايضاً بالعودة لارتكاب الاخطاء القاتلة ، ومنها شرنقة الحزب في قائمة معينة ، جعلته تائهاً ضئيل الحجم فيها ، وهو السبب في عدم حصوله على جزء مناسب من الجماهير التي يدعي ، أو أنه كان فعلاً  يمثلها  ، والتي انفرطت عنه لجسامة الاخطاء التي ارتكبها في ذلك الحين واعترفت بها قيادته لاحقاً .         

فوجوده في قائمة تتفاوض مع ذابحيه وساحقيه طيلة أربعين عاماً ، هي من اكبر الاخطاء ، وعلى كل حال فانا لا اراه ـ ومثله في ذلك مثل بقية الاحزاب أو الكتل والتحالفات ، اسلامية كانت أو علمانية او غيرها ـ يبدي أي اهتمام لما يجب ان يحقق لهذا الشعب المسكين ، الذي  شبع من الوعود والعهود والمؤتمرات ، التي تقام خارج العراق وليس في داخله ، بهدف اعمار العراق الذي يزداد خرابا ودمارا كل يوم .

ان هذه الكتل والاحزاب لا تهتم ، ولا تلتفت (كما اعتقد) لما يجب عليها القيام به من اعمال اجتماعية وانسانية لاصلاح او انقاذ او مساعدة ما ينبغي اصلاحه أوانقاذه أو مساعدته ، لذا فاني ادعو الاحزاب الاسلامية ـ التي في يدها زمام السلطة ومجلس النواب ـ ان تقوم باطلاق حملة معونة الشتاء ، إذ ان الكثير من الفقراء  والمهجرين والايتام بحاجة الى من يمد لها يد العون بكل شكل من الاشكال ، خصوصا ونحن نقبل على الشتاء .

فهل ستبادر هذه الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان ـ التي اعدادها بالالاف كما يقال ـ باطلاق حملة التبرعات لمعونة الشتاء لمساعدة هؤلاء الفقراء ؟؟ ام انها ستنتظر ان يفيق الحزب الشيوعي من غفوته ليبادر ـ وبعد نصف قرن ـ مرة ثانية في اطلاق حملة معونة الشتاء ؟؟

اعتقد ان ذلك حلم من الاحلام…       

 

أ.د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

   

»

اكتب تعليقا