اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

قوة الدينار…متى تأخذ العملة العراقية مكانتها السابقة؟

 

في بداية عقد الخمسينات من القرن الماضي وعندما كنا طلاباً في المدرسة الابتدائية كان مدير مدرستنا يجيد الغناء الريفي اجادة تامة، ولطالما تجمعنا بعد الدوام او مساء لسماع غنائه الريفي حيث كان يقيم في المدرسة ذاتها، ولكنه في الصباح وعادة في يوم الخميس ينسى اناشيد تحية العلم او نحن فداء للملك، ويطلب من الطالب رضوان ان يغني ، لان ذلك الطالب على الرغم من صغر سنه لكنه كان ذا صوت شجي وحنجرة قوية وكان يجيد الغناء الريفي ايضاً، ولكن رضوان كان عادة يفضل ترديد الاغنية التي كان مطلعها الاتي ( اسمع اكش دينار ما شافته عيوني اسال الصرافين بلكن يدلوني) وقد ذكرتني كثرة التصريحات حول قوة الدينار بتلك المدرسة وذلك الطالب الذي كانت اغنيته تدل حقيقة على قوة الدينار الاقتصادية وفاعليته الشرائية على الرغم من ضعف الاقتصاد العراقي وعدم تطوره في تلك السنين، ولكن عملية اصداره وضمان قوته الحقيقية كانت دقيقة وصحيحة جداً ولا غرابة في ذلك لان وزراء المالية ومسؤولي البنك المركزي كانوا ذوي كفاءة عالية ومراقبة قوته محط اهتمامهم وسبب قوته الدائمة.

في الستينات من القرن الماضي، كان سعر الدينار منخفضاً لحد ما في لبنان بسبب تهريبه لاغراض السياحة غالباً، وكان ذلك مثار اهتمام المسؤولين في مصرف الرافدين وتقرر اجراء دراسة ميدانية عن اسباب ذلك الهبوط واوعز الى السفارة العراقية لشراء جميع النقد العراقي الموجود فيه ولم يتجاوز ذلك المليون دينار بحسب ما ذكر لي المسؤول عن تلك العملية .

وفي سنة 1961 اشيع عن وجود ازمة بين رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي، وكان رئيس الوزراء قد طلب من البنك اصدار عملة عراقية من دون رصيد، وقد استقال من جراء ذلك محافظ البنك وتراجع رئيس الوزراء (عبد الكريم قاسم) عن طلبه هذا بعدما اقتنع بخطأ هذا الإجراء بفضل اصرار المحافظ، (هذا ما اشيع في وقته والله اعلم).

استمرت قوة الدينار العراقي طيلة سنوات الستينات والسبعينات على حاله مساوياً 3,3333 دولار ومن ثم تم تعديل سعره ليكون 3,2 دولار، وهكذا كان سعر الدينار العراقي بفضل توافر العملات الصعبة وفي مقدمتها الدولار الامريكي الذي كانت تدفع به اقيام النفط المصدر بهذه العملة ، واستمرت قوة الدينار العراقي حتى بداية الثمانينات من القرن السابق وكان الفضل في ذلك دائماً هو توافر النقد الاجنبي مقابل التصدير النفطي بالدرجة الاساس وليس تصدير المنتجات العراقية او عوائد من انشطة اقتصادية مختلفة، وهذا الاقتصاد الاحادي المصدر كان على الرغم من كل ما حققه من ايجابيات في قوة الاقتصاد العراقي ونقده كان دائما مصدر خطر وضعف لهذا الاقتصاد ، فنسف انبوب النفط العراقي المار في سوريا سنة 1956 كان له اثر سلبي على الاقتصاد العراقي وفي سنة 1967 كان لاحداث حرب حزيران اثر سلبي على الاقتصاد العراقي ، في حين كان لحرب تشرين سنة 1973 اثر ايجابي عليه بسبب اجراءات التأميم وزيادة الاسعار، مما حقق وفرا هائلاً من الايرادات النفطية كان لها اكبر الاثر في قوة الاقتصاد العراقي وتناميه بخطط انفجارية كما سميت في ذلك الحين، ولكن وفرة الاموال وسرعة انفاقها لاسباب شتى منها صحيحة ومنطقية كتحقيق تنمية اقتصادية سريعة الا انه في الوقت نفسه ادى ذلك النهج الى الاسراف والتبذير في الاموال العامة وبدء اعمال التواطؤ والاستغلال وغيرها ومن ثم الانفاق العسكري الذي زادت الحرب العراقية –الايرانية الطين بلة ولم تمض سنوات قليلة حتى استنفذت جميع الاحتياطات وجميع الايرادات النفطية وبدأت اعمال الاقتراض والاصدار النقدي من دون غطاء ذهبي او ارصدة مناسبة من عملات صعبة اجنبية كالدولار او الباون الاسترليني وغيرها من قائمة العملات الاجنبية الصعبة الذي كان يصدرها البنك المركزي العراقي.

ان ما افرزته الحرب العراقية – الايرانية واعوامها الثمانية المدمرة وما لحق بالعراق من ظروف كارثية بسبب اجتياح العراق لجارته وشقيقته الكويت والحصار والأسوأ من ذلك في تاريخ الانسانية منذ الازل وحتى الان فضلاً على ما ولدته تلك الظروف المأساوية في التدهور المستمر في سعر الدينار العراقي زادته ضغطاً الاختلاسات والتواطؤات والرشاوي وغيرها من ظواهر الفساد الاداري وجعل سعر الدينار يضعف عشرة ألاف مرة تجاه الدولار الامريكي وغيرها من العملات الصعبة ليكون مستوى التضخم الاقتصادي في سنة 1995 عن سنة 1982 على سبيل المثال بنسبة مليون بالمئة (1000000%) وهي باعتقادي اعلى نسبة لاي تضخم اقتصادي شهدته الانسانية وحتى لا نطيل الكلام في ما هو شاخص للعيان منذ انهيار النظام السابق وحتى الان فان البنك المركزي وبفضل ادارته الكفؤة الجديدة استطاع تثبيت سعر الدينار العراقي تجاه الدولار الامريكي او غيره من العملات الصعبة منذ اكثر من سنة حتى الان كان له ايجابيات اقتصادية كثيرة وفي مقدمتها استقرار السوق العراقية في التعاملات النقدية وثبات مناسب لجميع السلع الاستثمارية والاستهلاكية وحقق وضوحاً في الانشطة الاستثمارية وحدودها وجميع انواع الاستثمارات وغيرها. 

نعود الان الى نقطة مهمة اشرت لها منذ بداية خاطرتي هذه هو كيف نعيد القوة الشرائية للدينار العراقي التي تغنى بها رضوان وكان حصوله على الدينار اشبه بالخيال. اقول ان اهم الخطوات التي يمكن ان تعزز الدينار العراقي وقوته الاقتصادية والشرائية هي الاتي:

اولاً: تنشيط الاقتصاد العراقي .

العمل على تنشيط الاقتصاد العراقي وفي جميع القطاعات الاقتصادية انتاجية او خدمية، وعلى ان يكون ذلك الانفاق متوازناً ومتكافئا مع جميع القطاعات لتسير جميعها متوازية متقاربة في عملها وليس متفرقة ومتباعدة وكأنها خيول السباق احدها في مقدمته واخر في بدايته.

ثانياً: استغلال المنح والمساعدات.

العمل على استغلال جميع المنح والمساعدات بأعلى كفاية ممكنة وعدم السماح (بأقصى طاقة ممكنة) باستغلالها والانتفاع منها من قبل جهات عدة وبطرق ملتوية لتحقيق منافع خاصة على حساب منافع ومصالح الشعب العراقي.

ثالثاً: اعادة الاموال المسروقة والمهربة.

العمل على اعادة جميع الاموال العامة المسروقة والمهربة والمهدورة بأقصى كفاية ممكنة وعدم السماح بسرقة واختلاس المال العام بأية صورة ولأي سبب ومن دون استمرار النزف المالي المدمر للاقتصاد العراقي وعلى ان تشمل اعمال مكافحة الفساد المالي لكل مقترفيه مهما كانت وظائفهم أو مراكزهم او انتماءاهم أو جنسايتهم وبصورة محكمة بفضل اناطة امور الدولة واقتصادها الى اناس اكفاء تكون المناصب والوظائف بهم لاناس في المكان المناسب لما يتمتعون به من اخلاق حميدة ونزاهة عالية وكفاية علمية وخبرة وعملية.

رابعاً: اعادة تسعير الدينار العراقي.

ان يعيد البنك المركزي تسعير الدينار العراقي بما يتوافق مع الوضع الاقتصادي وتقدمه بصورة متأنية ودقيقة ووضع اهداف استراتيجية لذلك الغرض، كأن يضع البنك المركزي وصول سعر الصرف للدولار الامريكي تجاه  الدينار العراقي الى 1000 دينار خلال ثلاث سنوات والى 500 دينار خلال خمس سنوات وهكذا وهذا مرتبط بتحقيق ما ذكرته في الفقرات الثلاث الاولى المذكورة انفاً.

خامساً: سحب الفائض النقدي.

لم تكن هناك ضرورة لاصدار العملات المعدنية ولم يتم تداولها بين الناس واقترح على البنك سحبها من التداول ، الا ان قيام البنك المركزي ببيع قطع نقدية ذهبية مصاغة لمناسبات معينة على الجمهور بواسطة فروع البنك التجارية يمكن ان يحقق سحب كبير للفائض النقدي لدى جزء من افراد الشعب مما يحد من تداوله ويخفض من معدل التضخم في القطر الذي لا يزال في العراق.     

ساساً: استخدام الوسائل والأساليب المناسبة التي تعزز من قيمة الدينار العراقي.

ولا شك ان هناك الكثير من الوسائل والاساليب التي يمكن ان تلجأ اليها وزارة المالية والبنك المركزي لتحقيق هذا الهدف. وفي ختام مقالتي هذه يجب ان لا ننسى ان قوة الدينار العراقي الاقتصادية وبالتالي الشرائية مرتبطة أولاً وأخيراً بقوة الاقتصاد العراقي وارتفاع مستوى نمو وتطوره بالدرجة الأساس. 

 

 

أ. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

      

»
  1. شكرا استاذنا الغالي على مقالك الرائع

    Comment بواسطة المهندس محمد — January 8, 2012 @ 3:16 am

  2. مقال رائع جميل كل حرووووفك جميله

    Comment بواسطة علي نجم — December 5, 2015 @ 6:52 pm

اكتب تعليقا