اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

نعيش بدون خبز ولا نعيش بدون جامعة

 

منذ تعرفي لبعض الزملاء من الطلبة الاكراد في دراستي الجامعية الاولى في كلية الادارة والاقتصاد في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات وأنا أكنّ لهم الاحترام الكبير ليس لاننا عراقيون فقط بل لأنهم طيبون وبسطاء ومتسامحون جميعهم مؤدبون، وعند سماعي لزعيمهم الملا مصطفى البرزاني في سنة 1959 في احتفال جماهيري في ساحة الكشافة خطبته الثورية القصيرة  التي لم تغب عن ذاكرتي أبداً، كما وكان عصر ذلك اليوم في ايام ايلول سنة 1961 يوماً كئيباً في حياتي لم أنسه أبداً لقد كان بدءاً لحرب ظالمة بدأها عبد الكريم قاسم على شعبنا الكردي التي كانت واحدة من أخطائه التي نساها الجميع لانشغالهم في عد نجاحاته فقط، وكانت تلك الحرب فاتحة لحرب طويلة استمرت خمساً وثلاثين عاماً أحرقت الزرع والضرع والأهم منها البشر ولو وظفت حكومتنا المركزية الدكتاتورية ما انفقته من اموال على التنمية بدلاً من محاربة وإبادة شعبنا الكردي لحولت كردستان الى أجمل بقعة على الأرض وأفضل منطقة في الشرق الاوسط ولربما الكثير من دول العالم ، فجمال طبيعتها وعلو جبالها وغزارة أمطارها وثلوجها وطبيعة أجوائها أفضل مما شاهدت في الكثير من الدول العربية والاوربية التي زرتها أو درست فيها.

تدور السنون والحرب والحصار لم ينقطعا عن أخواننا الاكراد لا بل كنا نحن الممنوعين عن شم عبق شمالنا الجميل وأبعدنا عنه مرغمين غير راضين فكم كانت تلك السنين ظالمة حالكة سوداء ندعو الله أن لا تعود أبداً، فقد ظلم شعبنا الكردي من دون ذنب ولا مبرر من وراء نزوات بل جنون حكام متغطرسين سلطوا أنفسهم على رقاب الشعب العراقي واذاقوه – ما لا يعرفه تأريخ البشرية جمعاء – سوء العذاب والذل والهوان.

 بعد انهيار ذلك النظام بشهرين او ثلاثة أشهر طلبت مني جامعة صلاح الدين في أربيل زيارتها لمناقشة أحد طلبة الدكتوراه، فرحبت  بذلك ، ذهبنا في اليوم المحدد الى اربيل غير آبه بنصائح الأصدقاء بخطورة الطريق او الظروف الامنية، وعند وصولنا الى كلية الادارة والاقتصاد – في تلك الجامعة في صباح اليوم التالي حضر جميع تدريسي القسم رجالاً ونساءً للسلام والترحيب بنا فكان ترحيبهم احتفالاً وليس سلاماً عابراً . وأكثر ما أثر في نفسي ما ذكرته إحدى التدريسيات كلمات ليست عابرة بل صادقة ” اننا يا أساتذة كنّا نحلم برؤياكم” شكرت الله الذي أنهى تلك السنين الغابرة وأعاننا على ان نلتقي بإخواننا وأخواتنا بعد هذه السنين الحافلة بالالام والاحزان والخراب والدمار، أنهينا المهمة وسعدنا في الوقت نفسه برؤية شمالنا الحبيب ومصايفه والأهم شعبه.

مضت الايام وعادت الكلية والجامعة وطلبت منا الاستمرار بالتعاون معها ولم نتردد لحظة أنا وزميل لي بإبداء الموافقة وباشرنا بالتدريس عندهم اسبوعياً  في برنامج دراسة الماجستير والدكتوراه .

وفي احد الايام وعند خروجنا من مبنى الكلية لاحظت لوحة مرفوعة في صالة مدخل الكلية مكتوبة بعبارات كردية كتب في نهايتها ” مسعود البرزاني” كنت في حينها لا أجيد القراءة والكتابة باللغة الكردية – مع الأسف – طلبت من طلبتي وهم جميعاً من أولادنا الاكراد أن يترجموا ما قاله الأخ مسعود البرزاني فقالوا انه يقول:

(( نعيش بدون خبز ولا نعيش بدون جامعة)) أعجبتني هذه الكلمة كثيراً وسأبقى معجباً بها وقلت لطلبتي :- إنه كلام بليغ لابن زعيم عظيم.

نعم يجب أن يكون هدف جميع حكوماتنا في العراق فيدرالية كانت أو إقليمية نشر التعليم الجامعي والإكثار من تأسيس الجامعات ليفاد منه جميع طلبة التعليم الثانوي، ويجب أن توفر التخصيصات المالية الكافية لاقامة الجامعات والمعاهد العالية ومراكز البحوث العلمية الكافية، نعم تفشى بيننا الجهل وانتشرت الأمية وتُركت الدراسة، وأصبح الخلل واضحاً في التعليم الجامعي الاولي والعالي، ولكن على الحكومات والمسؤولين أن يؤمنوا بأن للتعليم عموماً والتعليم الجامعي خصوصاً أهمية كبيرة  في صقل عقولنا أولاً وتأثيره بشكل مباشر في عملنا وتربية أجيالنا التربية الصحيحة في بناء أساس قويم ومتين فكل المسؤولين تعلّموا ودرسوا في الجامعات وهم أيضاً حريصون على تعلّم أبنائهم وأحفادهم أفضل الاختصاصات وفي أفضل الجامعات والكليات.

وهذا حق ، ولكن جميع أبناء الشعب لهم هذا الحق أيضاً، وإن كانت الفرصة واسعة لكثير من الطلبة للحصول على التعليم الجامعي فان على الدولة أن تعمل على تهيأة الفرصة لمن لم يستطيع الدراسة بسبب السنين العجاف وعدم تأسيس الجامعات وتوفير الاموال اللازمة لتجهيزها وعملها بأفضل المستويات واستيعابها لجميع أبناء الشعب المؤهلين لذلك من دون حد او تحديد للاعمار ومن  لا يمكنه الدراسة في النهار فيمكن له الدراسة في المساء ومن لا يرغب في الدراسة في الجامعات الحكومية فيمكن أن يدرس في الجامعات الاهلية التي يجب أن يرتفع مستواها الى مستوى الجامعات الحكومية أو يفوق، وهذا الأمر يتطلب أن تخصص الأموال اللازمة للتعليم الابتدائي والاعدادي والجامعي بما  يحقق القضاء على الأمية والجهل وتوفير الموارد البشرية المؤهلة لخدمة المجتمع بالمستوى العالي فهي بأمس الحاجة إلى الأموال وخصوصاً الجامعات وانا ايضاً مع السيد مسعود البرزاني (( نعيش بدون خبز ولا نعيش بدون جامعة)).

 

أ.د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا