اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

صندوق التوبة

 

قبل أن أوضح لقارئي العزيز ما اقصد به من عنوان مقالتي هذه أو خاطرتي التي وددت أن اكتبها, ارغب في أن أوضح قضية مهمة, قضية تناولتها كتب الإدارة العامة والقانون الإداري بشكل خاص, إذ أثار أحد أساتذة القانون الإداري في كلية القانون جامعة بغداد – وهو الأستاذ الدكتور شاب توما منصور – في أثناء شرحه لقواعد الخدمة العامة إن هناك مفهومين للخدمة العامة وأدائها أولهما : مفهوم المصلحة العامة الذي يقتضي على الموظف الحكومي مراعاته وهذا المفهوم سائد في الدول الغربية وأيضًا في العراق – لكن فيما سبق وليس ألان – .  وثانيهما : مفهوم الفساد الإداري, وهذا المفهوم معروف في أميركا ولا يخفى على كل من حطّ قدميه في تلك البقعة من الأرض, والتي يكون الفرد أو الموظف الحكومي يفضل مصلحته الخاصة على المصلحة العامة؛ كونها تقع في الدرجة الثانية بالنسبة لهم, ولأنها لا تلبي رغباتهم الشخصية التي يطمحون فيها إلى الأفضل دومًا وابدأ.

وعودة إلى ما اقصده من خاطرتي هذه, في إحدى الليالي الهادئة وقبل خمسة وعشرين عامًا كنت جالسًا وأنصت إلى المذياع وضعت المؤشر على صوت أميركا, وإذا بخبر غريب وعجيب مفاده: العدول عن الخطأ والغفوة إلى التوبة والصحوة. إذ بسبب تفشي حالة الفساد الإداري والسرقة والاختلاس وغيرها من ظواهر الفساد الإداري والاجتماعي في مؤسسات الدولة الأميركية, قررت السلطة الحاكمة فتح حساب خاص في جميع البنوك الأميركية برقم واحد وموحد وأسمته بـ(حساب صندوق التوبة) للتائبين الراغبين في إعادة ما سرقوه وما اختلسوه من أموال عامة أو خاصة؛ كي لا ينكشف أمرهم علنًا بين الملأ عامة والجهة المسئولة خاصة المتمثلة بالسلطة والقانون, فكانت هناك نافذة لهم تمكـّـنهم من إيداع المبالغ التي يبغون حفظها في ذلك الحساب, ومن ثم تكون هناك لجنة خاصة مسئولة عن الإفادة من هذه الأموال المودعة, بتوزيعها بين الفقراء, أو استثمارها في الإعمال أو المشاريع الخيرية. فكانت هذه الفكرة والخطوة التي ابتدعتها الحكومة الأميركية لذوي النفوس الضعيفة من إفراد شعبها سبيلاً لإيقاظ ضميرهم النائم ولو لوهلة واحدة ولتخفيف معاناة من يعاني حقـًا أخذه المال عنوة من الآخرين. 

 إن ما سمعته في تلك الليلة التي مضى عليها خمسة وعشرون عامًا, ظل في ذاكرتي ولم يغب عنها أبدا , ويا حبـذا لـو التفتـت حكومتـنـا ومسئولونا إلى هـذا الأمر ووضعتـه علـى طاولـة الاجتماع, وماذا لو نُفذ فعلاً وناقشته من دون قيد أو شرط وقامت بفتح صندوق يشابه صندوق التوبة الأميركي, وماذا لو طُبقت هذه الفكرة على ارض الواقع وفكّر ذوو الأيدي الخفية والنفوس التي يجرّها القلب المسلوب من الرأفة والرحمة بأن يعيدوا ما سلبوه وما اختلسوه من أموال وتراث بلدهم العزيز الذين عاشوا فيه من ثم عاثوا فيه فسادًا وخرابًا, حتى يخففوا عن كاهلهم الثقل الحرام ويزّكوا نفوسهم التي ملئت قيحًا وحقدًا, ولو بالشيء اليسير.

  وإن ما طُبق في بلد أجنبي بفتح (صندوق للتوبة) جعل عندي بصيص أمل يضيء في نفق حالك بالظلام بوجود مَنْ يتوب عن الخطأ ويكّفر عن ذنبه, إلا أن هذا الحال أصبح حقيقة في بلد أميركي ساد فيه الفساد الإداري فتاب مَنْ نوى.

  لكن أتساءل إن فتح حساب خاص في بنوك عراقية وسيلة لغاية أسمى, هي للحصول ولاسترجاع  الأموال المسروقة هل يسير عليه السارقون أكالون السحت الحرام ؟ سؤال إجابته واضحة فأنهم لم ولن يبالوا لهذا الأمر. وإن حالهم هذا شبيه بحال النار التي وقودها الناس وتقول هل من مزيد. 

  تساؤلات كثيرة وعلى طرفي نقيض, لم ترَ النور في أرض عربية مسلمة, عرفت ثراه الذكر الحكيم, ونبضت أنفاسه بألفاظ القرآن الكريم.

 

أ.د. ماهر موسى العبيدي

 أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا