اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

تخطيط وتخبيط

في أواخر الستينات من القرن الماضي كان لالمانيا الشرقية (قبل توحدها مع المانيا الغربية) فريقان لكرة القدم سبق له ان فاز ببطولة العالم الاولمبية وبدؤوا يعدونه ليمثلهم في دورة كأس العالم لكرة القدم لسنة 1970، كان فريقا قويا متجانساً يلعب لعباً جماعياً متكاملاً يجيد تطبيق الخطط الفنية الحديثة في اللعب، وحيث ان بعض الفرق الاوربية وبسبب البرد الشديد في اوربا توقفت الالعاب خلاله فأنها تتفق مع اتحادات كرة القدم في شمال افريقيا ودول الشرق الاوسط للعب مع فرقها حيث الجو دافئ والشمس ساطعة غالباً فتحقق هذه الفرق اهدافاً عدة في مبارياتها منها العائد المادي وزيارة لتلك البلدان ومنها استمرارهم وتواصلهم في اللعب اذ يحقق ذلك كفاية في ادائها للالعاب لاحقاًَ، فضلاً عن فوزها بنتائج ساحقة غالباً تعزز من سمعتها ورصيدها الرياضي داخل وخارج بلدها وبناء على تلك الاهداف والمزايا قرر اتحاد كرة القدم الالماني الشرقي تنظيم مباريات هذا الفريق (او المنتخب) للعب في كل من المغرب والجزائر وتونس ومصر وايران والعراق وحال ابرام الاتفاق وبدء الجولة حتى انبرت الصحف الرياضية المتخصصة او صفحات الرياضة في الصحف العامة بتداول اخبار هذا الفريق وانتصاراته واطنب معلقونا الرياضيون واسهبوا في ذكر اخباره وانتصاراته، اذ سحق هذا الفريق المنتخب المغربي باربعة اهداف مقابل هدف واحد والمنتخب الجزائري بثلاثة اهداف لصفر والمنتخب المصري ايضاً باربعة اهداف او اقل بدون مقابل ومن ثم المنتخب الايراني بخمسة اهداف لهدفين (وجميع النتائج كما اتذكرها)، وكانت هذه النتائج الباهرة وتتبع اخبارها من قبل المحررين الرياضيين عبد الخالق مال الله وعبد الجليل موسى يرحمهما الله، مثيرة للقلق لدى جميع محبي ومشجعي المنتخب العراقي لكرة القدم حيث ان الامر بات يوحي بأن المنتخب الالماني سيسحق منتخبنا العراقي بستة اهداف في الاقل وبدأ الانتظار بخوف وخشية عما سيحصل في تلك اللعبة المنتظرة وما ان حل يوم اللقاء وامتلأ الملعب بالعشاق، ومع اعلان صفارة الحكم ايذاناً  ببدء المباراة، حتى فاجأ خارج يسار المنتخب العراقي شاكر اسماعيل حامي هدف المنتخب الالماني بكرة ذكية سجل منها الهدف الاول لمنتخبنا الذي تحول الى عملاق بين مشجعيه، واستمر اللعب سجال وما ان مضت عشرون دقيقة حتى سجل المهاجم محمود اسد (كما اتذكر) الهدف الثاني للعراق ولم يتمكن الالمان من هز شباك المرمى العراقي طوال الشوط الاول، اما في الشوط الثاني فقد عزز منتخبنا العراقي رصيده بهدف ثالث سجله احد مهاجميه الذين كانوا اسياد الملعب، وفي غمرة فرحنا ودهشتنا نحن المشجعين في ذلك اليوم الجميل، خرج اللاعبون الالمان ومدربهم يجرون اذيال الهزيمة، وكأن التاريخ يعيد نفسه حينما هزم مصارع العراق البطل المرحوم الحاج عباس الديك بطل العالم في المصارعة الالماني (الهر كريمر) في اليوم التالي خرجت علينا الصحافة العراقية بكيل المديح للفريق العراقي ومدربه متناسية تطبيلها الكبير للفريق الالماني سابقاً، وفي الصفحة الرياضية لجريدة الجمهورية كان ضمن اخبارها المفصلة عن اللعبة لقاء صحفي لمحررها المرحوم عبد الجليل موسى وتضمن السؤال الآتي الم تكن مفاجأة لك هذه الخسارة امام الفريق العراقي وانت تقود هذا الفريق القوي ذو السمعة والانتصارات الواسعة ؟ اجاب مدرب المنتخب الالماني كلا ابدا لم يكن في الامر مفاجأة لي هذه الخسارة وانها ممكن ان تحدث لاقوى الفرق العالمية، لان فريقنا يلعب على وفق خطة محددة واضحة، الا اني تابعت لعب فريقكم منذ بداية اللعب حتى نهايته فلم افهم على اي خطة يلعب، لذلك فانه يمكن نتيجة تخبطه افضل كثيراً من التخطيط، وانا ان حققنا نجاحا ما فانه كان دائماً بفضل التخبيط في اللعب ان يحقق احياناً افضل النتائج ويمكن ان يخسر امامه اقوى الفرق.عند ذلك ادركت سر فوزنا في ذلك اللقاء وعلمت انه احياناً يكون التخبيط الذي يسود يأتنا بالرغم من كوننا كنا تملأ الدنيا وما نزال صراخاً بضرورة التخطيط، تذكرت تلك المباراة ورأي المدرب الالماني فيها وتمنيت لو يلجأ مسؤولنا ومؤسساتنا الى التخبيط بدلاً من التخطيط لأنها ان اعتقدت المبدء الاول ( اي التخبيط) لحققت لنا الكثير مما نتمناه ونرغب فيه اسوة بمنتخبنا الوطني البطل الذي تخبط فانتصر على المنتخب  الالماني الذي خطط فخسر، اقول تذكرت تلك اللعبة ورأي المدرب الالماني، ونحن نقرأ يومياً في صحفنا (المئة والخمسين او اكثر) واذاعاتنا ومحطاتنا التلفزيونية والفضائية عن خطط هذه الوزارات وتلك المؤسسات حتى يخال لمن يقرأ ويسمع ان العراق سيكون ابدع وارفع و كل شيى فية امتع   ولكني ارى ان لاشيء قد تغير وكل ما هو فيه باق على حاله لم يتبدل او يتغير، تمنيت لو تلجأ هذه الوزارات والمنشأت والمؤسسات الى التخبيط لحققنا الف نصر ونصر ولانتقلنا من حالة الى الف حال افضل، بفضل تخبيطها وليس تخطيطها الذي جله حبر على ورق.

أ.د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

»

اكتب تعليقا