اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق

 

عبارة يرددها الكثيرون في عالمينا العربي والإسلامي بل لا يكاد احد من متوسطي الثقافة وربما من هو دون ذلك وهو يعرفها , هذه العبارة التي تعد درة من درر بلاغة إمام البلاغة الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) , فهي في الوقت الذي تمثل عنوانًا كبيرًا للرحمة والإنسانية, إنما تمثل منهجًا لمدرسة إدارية عظيمة فاقت وتفوقت على الكثير من النظريات الغربية في الإدارة التقليدية والحديثة, فأهداف هذه العبارة ومراميها واضحة تتلخص في ايصاء المسلمين كافة, بل البشرية جمعاء, أن لا يقف احد عقبة أمام رزق أي إنسان, فقد يؤدي ذلك إلى إنهاء حياته, لان قطع الرزق يدفع في بعض الأحيان إلى الانحراف عن جادة الصواب والطريق القويم فيلجأ مرغمًا إلى السرقة وربما القتل واغتصاب الأموال العامة والخاصة فيؤدي ذلك إلى قطع عنقه وإنهاء حياته عقوبة لما اقترفه بعدما قطع عنه رزقه. 

 ومما يدور في ذلك هذا المفهوم أن الإداري قد يلجأ إلى التعسف في استعمال صلاحيته لإيقاع الغرامات وقطع الرواتب عن الموظفين عند استلامه المسؤولية, وقد ينهي خدمات بعضهم تحت تأثير هواه ورغباته من غير حكمة ولا ترو ٍ في اتخاذ قرار . ومع كل ذلك فان هذه الحكمة قد تقال في غير موضعها , وتعتمد لتحقيق ما لم تهدف إليه أصلا وتصبح هذه الدرة كأنها بيد فحّام وتصبح على السنة بعض الناس كلمة حق أريد بها باطل , وذلك عند استعمالها في غير ما أريد لها أن تستعمل .

وإننا إذ نعيش اليوم ظروف الفساد بكل أنواعه , ولاسيما الإداري والمالي اللذين شاعا وانتشرا في أجهزة دولتنا العراقية التي تأكل جسدها وأصبحت كشجرة أكلتها حشرة الأرضة تكاد الريح تسقطها إذا هبت .

إن هذه الحكمة أصبح الكثير من المسؤولين يرددوها لتغطية أفعال المسيئين في الأعمال الإدارية والمالية من المبذرين والمسرفين والمختلسين ، إن الشرائع جميعها حرّمت التصرف بالمال العام بطريقة تؤدي إلى تبديده وهدره على غير وجه حق ، وديننا الإسلامي العظيم على رأس هذه الشرائع ، فالتعامل مع المال العام بهذه الطريقة يقود إلى ضعف الدولة ومؤسساتها وربما انهيارها في نهاية المطاف .

إن لجوء بعض الإداريين والمسؤولين إلى هذه الحكمة البليغة لتعليل الصفح عن أعمال المجرمين والمفسدين لا يعدو عن كونه كلمة حق أريد بها باطل ولم يكن الإمام علي ( عليه السلام ) ليقصد هذا المعنى السيئ في تفسير هذه العبارة الكريمة وإنما المقصود بها قطع أرزاق الناس الطيبين الأخيار الذي يسعون جاهدين لخدمة أمتهم على الصورة التي يجعلها في مقدمة الأمم ، فقطع أرزاق هؤلاء هو قطع لأعناقهم .

وان اعتماد بعض المسؤولين والإداريين على هذه الحكمة ما هو إلا خوف يتملكهم من استعمال صلاحياتهم من منع الانحراف والزلل لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح ، ليعاقب المسيء ويكافأ المحسن ، ويعتبر المخالف لكي لا تسّول له نفسه الإساءة  إلى الوطن الذي عاش على تربته وشرب من مائه.

إنني من هذا كله لا أريد إلا الإبلاغ ما استطعت إبلاغ المسؤولين والإداريين بأن درة أمامنا العظيم علي بن أبي طالب (عليه السلام) (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)  لا تعلل الاتكاء عليها لتعليل الضعف وقلة الكفاية وينبغي استعمالها في مكانها الصحيح.

 

أ.د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا