اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

المؤرخ العظيم والاستاذ المتواضع المرحوم الدكتور جواد علي

 

كنت اشاهده غالباً بأناقته المعهودة يسير في الامسيات الجميلة في شارع ابي نواس, حتى ابلغني صديقي خريج كلية التربية بأن هذا الشخص هو استاذ التأريخ العربي في جامعة بغداد – كلية التربية – قسم التأريخ, وهو مؤرخ كبير في تاريخ العرب قبل الاسلام خصوصًا, وبعد ان اصبحت قريبًا اليه بعد عدة سنوات كنت استمتع بالحديث معه في قضايا البلد عمومًا والمسائل التاريخية خصوصًا , وكان اكثر ما يعجبني فيه هي آراؤه في الأحداث التاريخية حيث كانت اراؤه علمية موضوعية وليست سردية سطحية كما اتصف به بعض مؤرخو كتب التأريخ (مع الأسف).

 كان رحمه الله دمث الأخلاق , متواضعاً إلى أبعد الحدود شغوفـًا بالكتابة والبحث في تأريخ العرب قبل الإسلام وكانت من أهم مؤلفاته في هذا الجانب موسوعته الشهيرة الموسومة بـ (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) وقد استمر في بحثه وتأليفه –  بعد ذلك –  في الكتابة عن تاريخ العرب في العصر الإسلامي وكانت ولادة جلّ مؤلفاته وما خطّه قلمه وما جال به فكره في البحث والتقصي, كانت في شقة متواضعة في عمارة (جميل حافظ) تقع في شارع الرشيد, عاش وفضّل البقاء وحيدًا فيها . 

وقد أعجبني المرحوم الدكتور جواد علي في أرائه التاريخية الموضوعية وآراءه الأخرى ومنها التي لن أنساها رأيه في أسباب هجرة الكفاءات العلمية من بلدنا الذي أجراه في تحقيق صحفي وفيه أشار إلى محاور رئيسة في أن أسباب هجرة الكفاءات العراقية, هي أسباب علمية واعتبارية وليست أسباب مادية بحتة, كون أصحاب الكفاءات قصدوا جامعات وأجنبية ذات أساس علمي رصين سبيلاً للبقاء في اجواء علمية واكاديمية عالية المستوى إلى جانب توفر الإمكانيات اللازمة لإجراء البحوث والدراسة من أجهزة حديثة وكتب ومجلات علمية, وهناك عامل ثان ٍ ومهم, هو أن الباحث العلمي العائد من الخارج قد يعود ويجد الجامعات تفتقر إلى ابسط المتطلبات الدراسية والإمكانيات العلمية التي يحتاج إليها الأكاديمي العراقي, وقد يجد المسؤول عنه لا يفقه شيئـًا في علمه او ادارة منصبه وتعامله مع رعيته فيشد الرحال من حيث أتى, حيث يجد الأفاق الرحبة في تلك البلدان. 

  وقد مرض الدكتور جواد علي المؤرخ العظيم وطال مرضه ولم تلتفت اليه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ولا وزارة الثقافة والاعلام ولا المجمع العلمي الذي كان عضوًا فيه,  وحصل على هذه الالتفاتة ولكنها كانت متأخرة بعد أن نخر المرض جسده, وبعد ان طلب الرئيس اليمني السيد علي عبد الله صالح من سفيره في العراق استحصال موافقة الحكومة العراقية لنقله الى ارقى المستشفيات الاميركية على نفقة الحكومة اليمنية وفاءً من الشعب اليمني لاصالة ما كتبه عن تأريخ اليمن فسارعت الحكومة العراقية آنذاك بنقله إلى مستشفى ابن البيطار ولم ينفع العلاج فيه شيئـًا. 

  وفي حفل تأبينه المتواضع القى الاستاذ الدكتور حسين علي محفوظ كلمة رائعة في رثائه ولكن اهم ما قاله فيها بحق هذا المؤرخ العظيم, ان المؤرخ الطبري سأل النساخين إن كانوا باستطاعتهم كتابة كتاب كبير فسألوه كم صفحة هو, قال لهم عشرة الاف صفحة فأجابوه بان ذلك يفني العمر يا شيخ, وقد اضاف العلامة محفوظ في كلمته, إن المرحوم الدكتور جواد علي كانت في يده ندبة  منذ الولادة , وعن هذه الندبة قالت احدى العراقيات لوالدته عندما رأتها وهو طفل أن ولدك هذا سيكون كاتبًا كبيرًا وتحقق ذلك حيث كتب بهذه اليد الكريمة وفي شقته الصغيرة موسوعة كبيرة في تأريخ العرب قبل الاسلام يحتوي على اكثر من أربعين ألف صفحة تعد المرجع الوحيد والاصيل وبهذه السعة في تأريخ العرب قبل الاسلام .

كان رحمه الله متواضعاً بسيطـاً مرحاً دائماً , كان الجلوس معه والحديث معه من امتع السويعات التي التقي فيها معه في الأعياد خصوصاً ولم يكن في ارائه متطرفـًا او منحازاً لاي جهة او طائفة او دين او عنصر , كيف يكون ذلك وهو الكاظمي الذي درّس الفقه في كلية الامام الاعظم وهو الجعفري وزوجته سنية وهو الذي كان يحب الجميع ويحترمهم والذي كان العراق في قلبه وضميره فأبى مغادرته حتى مات ودفن فيه.

اين جامعة بغداد في تخليد اساتذتها الكبار واين التكريم الذي يستحقوه واين يذكر اسمه ومساهماته كما يقتضي الوفاء لهؤلاء العظام وفي مقدمتهم المرحوم المؤرخ العظيم والاستاذ المتواضع جواد علي, ادعو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الالتفات إلى ذلك.

 

أ.د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا