اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

الوحدة بآمرها أم الآمر بوحدته

 

قد يكون من المتفق عليه جداً أن جيشنا العراقي ولا أقول السابق أو اللاحق وإنما عموم الجيش العراقي منذ تأسيسه وحتى ألان يتصف أو يتميز بميزات كثيرة جداً مازلت معجباً بها ومتأثراً بها؛ كوني قد تخرجت في إحدى كلياته ملازماً احتياطاً وحققت تفوقاً كبيراً في مستوى التخرج، كما وكان للخدمة الفعلية أثرها في الإفادة من الكثير مما كان لا يمكن إن نتعلمها في الحياة المدنية، وان كنت قد ذكرت أهم ما أعتقده ورأيته من صفات ذلك الجيش وضباطه وقادته، ولكني سأركز في خاطرتي هذه على أمر مهم جداً تتصف به الكثير من جيوش العالم، ذلك أنها تكون دائماً مدرسة إدارية خاصة ومتميزة لطالما أهدت لعلم الإدارة العامة وإدارة الإعمال الكثير من النظريات والدراسات والأفكار الإدارية التي كان لها انعكاسها الكبير على الواقع الإداري المدني في تلك المجتمعات وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية على طول القرن الماضي، وكانت للحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية والحرب الكورية والحرب الفيتنامية وحتى حروب الخليج الأخيرة أثرها في تطوير النظم الإدارية للجيش الأميركي وأصبحت لها أثراً واضحاً في تطوير نظم الإدارة العامة وإدارة الإعمال في عموم الولايات المتحدة الأميركية، وذلك ليس حكراً عليها بل أن جميع الدول الأوربية واليابان وغيرها لجيوشها فضلاً على تنمية إدارة أغلب قطاعاتها الاقتصادية والاجتماعية .

إن عدنا إلى جيشنا العراقي ذي البطولات والصفحات الخالدة في سفره نجده لم يكن قاصراً في بلورة الكثير من الأساليب الإدارية العلمية لتنظيم أدائه وعمله منذ تأسيسه وحتى الوقت الحاضر وذلك بفضل ضباطه الأكفاء المخلصين، لكن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى بعض السلبيات التي تسود في أدائه ولا أريد أن أسهب في ذكرها ولكن أشير إلى أهمها أولها مسألة الأوامر التي أعابها الرئيس عبد الناصر على جيشنا لتبرير هزيمة الجيوش العربية في فلسطين وعزا ضعف أدائه بالتزامه المفرط بالأوامر ( المفقودة غالباً ) وهي ما زالت يشار إليها حتى الوقت الحاضر ( كما اعتقد ) لتبرير الإخفاقات، والتأخر في تنفيذ الواجبات، وهذه المشكلة هي ليست في الجيش وحده بل هي أعقد واكبر مشكلة في جهاز الدولة المدني أيضا، التي غالباً يكون فيها موظفين ومسؤولين ( المادون ) لا يتحركون إلا بالأوامر التي يجب ان تصدر صغيرة كانت أو كبيرة تنفيذاً لأوامر مسؤوليهم الأعلى ( ألما فوق ) ليتسنى له التحرك والعمل بموجب صلاحيته بكفاءة ودقة والوقت المناسب  فيحصل الإرباك في العمل برفع المطالعات وكثرة الهوامش حين يحسم الأمر ويتخذ القرار يكون ذلك غالباً بعد فوات الأوان ودفع الله ما كان، أو كفى المسؤولين مشقة الهوامش والمطالعات .

إن هذه الحالة التي ذكرتها هي مدخل لحالة سلبية أرجو أن تكون قد انحسرت في جيشنا الباسل أو يجب أن لا تسود ولكنها تسربت إلى أجهزتنا المدنية بصورة غير مباشرة وإن كانت كحالة سلبية في العمل الإداري بدأت تظهر بصورة تدريجية في أوائل التسعينات وحتى الوقت الحاضر، أما مسألة حصر الصلاحيات سحبت بصورة تلقائية معها مفهوماً إداريا خاطئاً لا يعتمد في جيوش الدول المتقدمة ولا مؤسساتها الاقتصادية إنتاجية كانت أو خدمية ذلك هي القاعدة التي تقول : ( إن الوحدة بآمرها ) ولكني حتى لا أسهب في تفاصيل خاطرتي هذه أقول إن جيوش الدول المتقدمة تعتمد مبدأ ( الآمر بوحدته ) وليس ( الوحدة بآمرها )، وإن كان انعكاس ذلك سرى في دوائرنا الحكومية وأصبحت هذه الدوائر تُآمن بأن الدائرة أو المؤسسة بمديرها فأن الجهاز الإداري في جميع الدول المتقدمة يعتمد مبدأ المدير ( أو المدير العام ) بدائرته وليس العكس .

 أعود مرة أخرى عزيزي القارئ لتوضيح ما أعتقد وإزالة ما عليك من اللبس، ذلك لأن الآمر أو المدير هو فرد واحد ذو قدرات وإمكانيات محدودة وليست خارقة أو غيرها كما هو يُعتقد لدينا، صحيح أن من يحصل على هذه الرتبة أو المنصب ينبغي أن يكون حاصلاً على شهادة علمية مناسبة ومتخصصة وان يكون مناسباً من جميع الوجوه لتسنم هذا المنصب  وتحمل مسؤولية ما جرى وما يجري في هذه الوحدة أو الدائرة وأنه الوحيد الذي يفهم وغيره لا يفهمون وانه الوحيد الشجاع الذي يتحمل المسؤولية وغيره لا يتحملها وهو …. الخ، مما أنزل الله بها من قدرات وسلطان فسيكون الأمر تماماً بأن الوحدة بآمرها والدائرة بمديرها لأنه هو فقط من يتولى زمام الأمور ومسؤوليتها أما الآخرون فهم نيام ينتظرون آمرهم أو مديرهم يدق لهم جرس أو يعزف على بوق التعداد أو الاصطفاف أو يفتح لهم الأبواب ولا أريد الإسهاب لحضرتك قارئي العزيز بهذه الأمثال فهي في وحداتنا ( كما اعتقد ) ودوائرنا ( كما أنا متأكد ) الكثير الكثير العجيب الغريب، وليس فقط الوحدة أو الدائرة بآمرها أو مديرها عكس العالم المتقدم الذي تقدم بفضل ( الآمر بوحدته ) أو ( المدير بدائرته ) .

 

أ.د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا