اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

النزاهة والكفاءة والأنضباط :عوامل اساسية في اختيار الافراد للأعمال الإدارية ولتبوء المناصب السيادية

 

رجاني احد الزملاء من متخصصي أدارة الاعمال أن ألقي محاضرة نيابة عنه في موضوع يتعلق بكيفية اختيار الأفراد في الوظائف الادارية والسيادية، لكونه لا يستطيع القيام بذلك لحصول مانع خاص لديه، فأعتذرت له متذرعاً بأن ذلك ليس من اختصاصي الدقيق، لكنه أصرّ على ذلك لانه قد وعد، ولا يستطيع الإيفاء بوعده بسبب ذلك المانع، وأضاف أن لم يكن الموضوع من أختصاصكم الدقيق، فإن خبرتكم العملية كفيلة بأنجاز المهمة وتقديم المحاضرة، سكتت، ففسر السكون بالرضا وأتصل فوراً بمنظمي تلك الدورة التي يشارك فيها مجموعة من الخبراء الاداريين من مختلف الدول العربية، لم يكن هناك وقت للمراجعة لأنها يجب أن تلقى في اليوم التالي، اعتمدنا على رب العالمين، وعلى ما تبلور في ذهننا من خبرات عملية في اختيار الأفراد للوظائف الإدارية، وما اعتقده من عوامل يتطلب على الدولة والحكومة مراعاتها في اختيار من يتسنم المناصب الأدارية .

في اليوم التالي، وفي ساعة المحاضرة، وبعد انجاز أولياتها الإدارية، والتعرف على المشاركين، وأقطارهم بدأت بالمحاضرة وبعد مقدمتها ركزت على ذكر العوامل الاساسية في أختيار الأفراد وتبوء المناصب السيادية ولخصتها بثلاثة عوامل هي :-

أولاً / النزاهة :-

مشهود له بذلك أو ينبغي البحث عن سيرته الدراسية في الجامعة، أو في المنطقة. وينبغي لمن ينسب أو يكلف بإدارة مؤسسة حكومية، وحتى الوزارة، أن يكون بأعلى مستويات النزاهة، وبالنسبة للموظف المراد تعيينه حديثاً ينبغي أن يكون ذو أخلاق وسمعة جيدة معروفاً من قبل اشخاص مشهود لهم بهذه السمة في الوسط المراد تعينه فيه، أما الذين لديهم خدمة وظيفية مناسبة، ويقتضي ترقيتهم الى وظيفة أعلى، أو إلى منصب يتسم بالمسؤولية العليا، فيقتضي العودة الى سيرته الوظيفية والتأكد من علوّ مستوى أخلاقـه وأدائه الوظيفي، فإن كان ذلك حقيقة، كان عمل مثل هؤلاء الذي ذكرتهم سيأتي بأعلى مستوى من النزاهة والأمانة، فهو سيحرص على تحقيق المصلحة العامة والامانة على المال العام، لا يهدره، ولا يبذره، ولا يرتشي، ولا يختلس، ولا يتواطأ في سبيل تحقيق مآرب أو مغانم شخصية، ويعمل دون محاباة أو وساطات، وهو بحكم أخلاقه العالية سيكون أداؤه الوظيفي مثالاً للنزاهة والكفاءة، وهي العامل الأول الذي أعتقده جازماً، لازماً في اختيار الأفراد للوظائف والمناصب، وأن لم يؤخذ هذا العامل بنظر الأعتبار سوف تسوء امور الاداء والادارة الوظيفية والمسؤولية، ويختلط الحابل بالنابل، وسوف لن يكون مستوى العمل بعيداً عن ظاهرة الفساد الاداري والمالي (والعياذ بالله).

ثانياً / الكفاءة :-

الكفاءة تتوقف على عاملين هما الشهادة العلمية المدعومة بالمواضيع النظرية في الاختصاص، التي يفضل أن يكون قد حصل عليها بتميّز أو بتفوق، أو المستوى المناسب، ويعين، أو يكلف بالوظيفة المناسبة لتخصصه العلمي الدقيق، أو المقارب وبدون ذلك لا فائدة من علم وتخصص، بل تحصل لخبطة في الأداء، وتدنٍ في مستوى تنفيذ الاعمال بسبب عدم دقة القرارات وأنحرافها عن الوجه الصحيح، أما العامل الآخر الذي يعزز الأول في اختيار الأفراد لتبوء المناصب القيادية والسيادية، فهو الخبرة التي يتمتع بها ذلك المرشح لذلك المنصب أو الموقع، فبدون خبرة لسنوات مناسبة من الاعمال المطابقة لاختصاصه في الشهادة والتحصيل العلمي ستكون كفاءته عند أشغاله لهذا الموقع ضعيفة ومتدنية، وليست بالمستوى المناسب المطلوب منه.

المرشحون لأشغال الوظائف الأدارية الذين يتوفر لديهم العامل الأول (النزاهة) فضلا عن الكفاءة بتخصصه، والعامل الثاني (الخبرة المناسبة) هؤلاء توفر لديه عاملان أساسيان للتعيين أو إشغال الوظائف الإدارية والمناصب السيادية بحق وبقدرة.

ثالثاً / الانضباط :-

المرشح للوظائف الإدارية والمناصب القيادية أو السيادية الذي يتوفر فيه العاملان السابقان النزاهة والكفاءة، لا بدّ أن يتوفر فيه عامل ثالث، وهو عامل داعم، حسب اعتقادي وملاحظاتي، وأعني الانضباط، لأن من يكون ذو نزاهة تامة وأخلاق عالية وكفاءة تامة مع توفر الشهادة في الاختصاص والخبرة في العمل المتخصص، يكون الانضباط التام في أدائه الوظيفي، فضلا عن حسن التعامل من العاملين معه، أو مرؤوسيه أو رؤسائه، والحرص التام على التعامل مع المتعاملين أو المراجعين بأعلى مستوى من الأخلاق أسس لا بد منها.

الانضباط في الأداء الوظيفي على أعلى المستويات، سواء في الالتزام بالدوام الرسمي صباحاً ومساءً أو متابعة الأعمال وانجازها في الوقت المناسب، والالتزام بالقوانين والأنظمة والتعليمات: روحيتها وموضوعياتها، ومتابعة الأعمال المناطة به بصورة منتظمة ومن دون الحاجة لإشعار أو توجيه من هذا المسؤول أو ذاك كل لا يمكن تجزئته في اختيار المسؤول أو الموظف. وهذا العامل (الانضباط) قد لا يمكن التأكد منه عند الاختيار لأول مرة، ولكن أن لم يكن بالإمكان التحقق من ذلك مقدماً، فالتجربة خير برهان، لذا تأكد قوانين الخدمة المدنية أن تكون هناك مرحلة تجربة لمدة سنة في الأقل، فمن تثبت التجربة كفاءته وانضباطه يثبت في الوظيفة والمنصب، ومن لم تثبت كفاءته وانضباطه يسرح من المنصب والوظيفة .

انهيت المحاضرة بمناقشات واستفسارات الحضور، وكان أبرزها تعليق لأحد الحاضرين من الأردن الشقيق، قال فيه: إن هذه العوامل ياأستاذ أفلاطونية، من الصعب تحقيقها في الوقت الحاضر، فقلت له إن كان أفلاطون قد نادى بها قبل الآف السنين، فكيف يجب أن يكون الأمر عليه في الوقت الحاضر؟ إنك لو قلّبت التاريخ العربي الإسلامي لوجدت أن ما نبتغيه مطابق لأحكام ديننا (الإسلام) وتراثنا، نحن العرب، إذ كان الحرص من الخلفاء والولاة كبير على أن يكون انتقاء العاملين والقياديين على وفق هذه الأسس، وكتب الشريعة والفقه والتاريخ زاخرة بهذه القيم أو التوصيات ولا أشك في كون ما قلته غير موافق لذلك، وأضفت أنني قد جربت هذه العوامل في أختيار الموظفيين الإداريين، وأثبتت النجاح الكبير، وكلامي كان كلام مجرب وليس فقط حكيم (كما أعتقد) .

 

 أ.د. ماهر موسى العبيدي

 أكاديمي عراقـي

 

 

»

اكتب تعليقا