اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

كرة القدم في العراق (ذكريات متفرج متقاعد)

 

ونحن نجمع ما تبقى من اوراق بريدنا اليومي لاكماله في الدار, ولنسرع الخطا للحاق بموعد بدء مباراة منتخبنا العراقي والمنتخب السعودي, ولتحاشي خلو شوارعنا الموحش والمخيف لانصراف الجميع لمشاهدة المباراة, قال لي زميلي: إن منتخبنا العراقي سيفوز في هذه المباراة , اجبته واثقــًا: بأن منتخبنا سيخسر حتمًا , عاد فقال لي: لربما سيتعادل فتكون النتيجة استمراره في اللعب في هذه البطولة (أي خليجي 18) اجبته واثقــًا: بأننا سنخسر فسكت, ولكنه في اليوم الثاني أتاني متعجبًا بعد أن خسر المنتخب العراقي قائلاً : إنك كنت واثقــًا فكيف كان ذلك فابتسمت وسكت. وعند مشاهدتي الشوط الاول واحتساب ضربة الجزاء وطرد احد المدافعين زادت ثقتي بصحة رأيي بأن  الخسارة أكيدة, وبعد انتهاء الشوط الاول انصرفت الى النوم بدلاً من الانتظار ومشاهدة الشوط الثاني. وعندما طلب مني ولدي مشاهدة الشوط الثاني اجبته بأن الخسارة اكيدة وأفضّل النوم والراحة بدلاً من المشاهدة. 

  منذ اربعين عامًا وأنا اشاهد واقرأ والاحظ اهتمام دول الخليج بالالعاب الرياضية وكرة القدم منها خصوصًا, وعزم هذه الدول على ضرورة حصولها على البطولات او المراكز المتقدمة فيها أسبابه السياسية والاقتصادية والاجتماعية , كما ان لسوء التحكيم الذي هو صفة الحكام الخليجيين له أسبابه وأبعاده ايضًا؛ لأن حامي هدفنا نور صبري لم يفعل شيئًا سوى أنه ألقى بنفسه على الكرة في محاولة منه لمسكها, فأجاد المهاجم السعودي التمثيل بإسقاط نفسه ليبرر للحكم احتساب ضربة الجزاء التي حقق فيها المنتخب السعودي هدفه الوحيد.  اذا كان ما قام به نور صبري – كما اعتقد – هو واجبه كحامي هدف فاحتُسبت عليه ضربة جزاء, فماذا يحسب عليه الحكم الاماراتي من عقوبة لو أنه نطح اللاعب السعودي, كما فعل زيدان باللاعب الايطالي (عندما ضربه كله في صدره كما يقول اهل الحلة ) الله اعلم ماذا يكون قرار الحكم !!

  لنعود الى الوراء ونقلب صفحات تأريخ منتخباتنا في كرة القدم, ومنذ مباراة المنتخب العسكري العراقي والمنتخب المصري قبل أثنان وخمسين عامًا الذي لم يستطع المنتخب المصري – وهو المحترف-  الفوز على منتخبنا – وهو الهاوي-  إلاّ في الدقيقة الاخيرة بقذيفة قوية من مهاجم الفريق المصري حنفي بسطان – هكذا اتذكر اسمه –  تألق في هذه اللعبة عمانوئيل بابا وعادل عبد الله الذي سجل هدفي المنتخب العراقي وقد أبدع في وصفها المعلق الرياضي المرحوم اسماعيل محمد, و كان ذلك في سنة 1952 – كما اتذكر – واعتقد ان تلك المباراة والوصف الاذاعي الرائع لها كانت بداية لاهتمام الشباب العراقي وبعض المسؤولين العسكريين والمدنيين بهذه اللعبة. 

  استمرت المنتخبات العراقية باللعب هنا او هناك في هذه البطولة او تلك وكان غالبًا ما يتسم أداؤها بالطابع الفردي اكثر مما هو المخطط او المنظم فكان غالبًا ما تنتهي المباريات التي يخوضها مع منتخبات أخرى لدول مجاورة كتركيا او ايران او دول أوربية بالخسارة بسبب تفوق تلك المنتخبات على فريقنا بالدفاع المنظم والهجوم المخطط الذي تفتقده منتخباتنا, لعدم وجود المدرب المتمكن والمتخصص, إلاّ ان ذلك لم يكن دائما, بل كانت تحقق منتخباتنا احيانًا نجاحات وفوزًا في لقاءاتها مع بعض الفرق, وغالبًا ما كان يتحقق ذلك بفضل القوة الجسمانية والمهارات الفردية للاعبين منتخباتنا مثل حامد فوزي في حماية الهدف وجليل شهاب وجبار رشك وحسن بله وكلبرت سامي في الدفاع وجمولي وشامل فليح في الوسط وعمانوئيل بابا وبورا واديسون وغيرهم في الهجوم وهشام عطا عجاج وقاسم زوية وعلي كاظم في اجنحة الهجوم. 

  في سنة 1963 وفي زيارة منتخبنا العراقي الى مصر واللعب مع فرقها قال معلـّق جريدة الاهرام الرياضي (جهينة): إن الفريق العراقي يصرف دينارًا ليحصل على درهم وفي هذه العبارات دلالات كثيرة معززة لوجهة نظري السابقة.

  منذ أواسط الستينات ولاهتمام الكثير من المسؤولين ومنهم رئيس الوزراء ومدير مصلحة نقل الركاب ومدير آليات الشرطة ومسؤولي العاب الجيش وبعض قادته فضلاً عن وجود مدرب جيد سبق له المشاركة في دورات تدريبية متخصصة وكونه لاعبًا سابقـًا فضلاً عن اتصافه بالانضباط والسيطرة؛ كونه عسكريًا , فضلاً عن الصفات التي يملكها اللاعبون الذين سبق أن ذكرتهم ساعد المنتخبات العراقية على تحقيق الفوز والاولوية في بعض البطولات, ومنها بطولة جرت في مدينة طرابلس الليبية فاز المنتخب العراقي الثاني ببطولتها, إلاّ ان اهم ما تحقق هو فوز العراق ببطولة كأس العرب سنة 1966, ومن ثم تألق المنتخب العراقي عند لقائه مع فريق نادي بنفيكا البرتغالي الذي استقدمته مؤسسة كولبنكيان والتي مقرها البرتغال للعب في بغداد في يوم افتتاح ملعب الشعب (والذي لم يبن غيره حتى الان). كان فريق هذا النادي يمثل أغلب لاعبي منتخب البرتغال الذي حقق المركز الثالث في بطولة كأ س العالم التي جرت في لندن في تلك السنة, كان من ضمن الفريق اللاعب الافريقي الموزنبيقي آزيبيو والفأر الذري سيماش – كما اتذكر اسمه – وكاد منتخبنا أن يخرج متعادلاً مع ذلك النادي إلاّ ان كرة ضعيفة مرّت قرب العارضة بعيدة عن يد حامد فوزي حققت هدف الفوز لنادي بنفيك, قال آزيبيو بعد المباراة: إنني لم اكن اتوقع ان يكون الفريق العراقي بهذه القوة. 

كل ذلك كان بفضل العوامل الاخيرة التي ذكرتها سابقــًا وليس بفضل خطط فنية علمية عالية المستوى ولكننا نستطيع أن نقول إن الامور قد تحسنت نحو الافضل. 

  لا استطيع تقويم احداث ومستوى كرة القدم في العراق خلال السبعينيات حيث كنت خارج العراق , اما في الثمانينيات فأستطيع التأكيد ان مستوى كرة القدم في العراق قد تحسن كثيرًا وذلك بفضل توفر امكانيات مادية تدعم المنتخبات العراقية (وليس الملاعب والساحات) كذلك اللاعبين المتميزين كما هو الامر في النصف الثاني من الستينيات مثل عدنان درجال والاخوين علاوي والهداف احمد راضي وحامي الهدف رعد حمودي, ولكن الاهم والعامل المحوري في تلك النجاحات هو وجود المدرب المناسب جدًا في مكانه المناسب لاعب منتخبنا الفذ السابق عمانوئيل بابا والمدرب المتمكـّن من متابعة أحدث الخطط والفنون التي يتبعها مدربو العالم فضلاً عن ذكائه الميداني ومثابرته المستمرة. والاهم من ذلك كله هو حبه لوطنه وعمله واخلاصه لهما حقق المنتخب العراقي الكثير من النجاحات والفوز بالبطولات. 

  لا اعلم ان كنت قد اسهبت تفاصيل هذه الذكريات أم اختزلت , ومن المؤكد أن هناك الكثير جدًا مما قد يقوله متفرج هاو ٍ عن كرة القدم, تقاعد عن مشاهدتها في الملاعب منذ اربعين سنة خلف.

  اعود مرة اخرى الى حال منتخبنا الوطني العراقي وما آل اليه الحال في بطولة الخليج وهو يجر أذيال الهزيمة, التي لم يكن يخرج بغيرها وهو الذي لا يجيد الدفاع ولا يجيد الهجوم ولا يحكم السيطرة في الوسط ولا يستطيع تفادي احكام الحكم الذي قد يجعل ضدهم (من الذبانة جاموسة – كما يقول اخواننا الاكراد – ) كل ذلك كانت عوامل للهزيمة فضلاً عن رغبة لاعبي الهجوم الدخول مع الكرة الى هدف الخصم وكأنهم لم يشاهدوا لاعبي الفرق الاوربية وغيرها. كيف يحققوا الاهداف بالضربات القوية من خارج منطقة الجزاء, واحيانـًا قرب خط الوسط, فهل بعد هذا كله علينا ان نستغرب إن خسر منتخبنا الوطني ؟؟ 

  ولا يفوتني أخيرًا أن اقول وعلامَ هذه الضجة من هذه الخسارة! أليس حال كرة القدم والالعاب الرياضية جميعها سواءً غطتها خيمة اللجنة الاولمبية ام لم تغطها هو حال كل ما يدور في العراق وعلى شعبه ومؤسساته وكياناته وكل نشاطات مجتمعه, إن حالة كرة القدم في العراق وبيئتها ومؤسساتها هي الحالة نفسها تلك.

 

أ.د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا