اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

مجنون من لا يتراجع عن رأيه

 

ما زلت أرى أن الاطلاع على تقاليد وعادات وامثال الشعوب الاخرى عامل من عوامل معرفة ثقافاتها ، فضلا عن الإفادة منها، لكونها حصيلة خبرة وتجربة وتحقق من النتائج عند هذه الأمة.

 أعلمني صديق درس في انكلترا التقيته مرة، وكنا نتطارح الحديث عن كثير من اوضاعنا وطباعنا وعاداتنا، ومنها إصرارنا على رأي او خطوة اتخذناها بعجالة ودونما تروي او مشاورة، وحينما تتبدى لنا ملامح فشلها او خطأها لا نقوم بمراجعة لقرارنا من أجل الوصول إلى القرار اللازم بايقافها او التخلي عنها او ابدالها، فبعضنا لا يرى في الاعتراف بالخطاء فضيلة، بل يجري الاصرار على كونها الخطوة، أو القرار، الصائبة التي لم يكن هناك أفضل منها ولا أحسن، كما ونبرر الفشل وعدم صحة القرار او الخطوة غالباً بعوامل شتى أخرى، منها عدم تفهم ذلك القرار (الخطوة)، أو عدم التعاون لإنجاحه أو لان ظروفه (بيئته) اقل من مستوى قرارنا (العبقري) او لان هناك مؤامرة لإفشاله.

فقال لي زميلي الدارس في انكلترا: أتعلم يا أخي أن الانكليز لديهم مثل يقول (مجنون من لا يتراجع عن رأيه). أعجبني المثل كثيراً، سكت برهة، وقلت له: يبدو لي انه مشابه لمقولة الزعيم البلشفي الروسي  لينين ( خطوة للوراء، خطوتان للإمام) سكتنا برهة، ثم عدت للقول: كلا، إن رأي لينين وان كان فيه شبه بالمثل الانكليزي، ولكنه كان مثلاً ثورياً اتخذه لينين بشجاعة لانه كان يخطط لنجاح الثورة وعلى القيادة أن تتحلى بالمرونة لتحقيق النجاح المرجو، وهذا ما حصل في روسيا، ولكن يبدو لي ان المثل الانكليزي اعم واشمل من ذلك، وهو ليس ثوريا، بل يمثل عرفا اجتماعيا، ويوضح حقيقة طبائع الشعب الانكليزي الذي عرف بدهائه الذي يشيد به العالم لأكثر من قرنين من أزمنتنا الحديثة.

قلت له: أتعلم يا أخي أننا بحاجة للإيمان بهذا المثل وربطه مع القول المأثور لدينا ( الاعتراف بالخطأ فضيلة) لأن في الاثنين عبر عظيمة نحتاجها في تعاملنا اليومي، وفي قراراتنا وفي ارائنا كافراد او مسؤولين او حكّام. وهذا من مكملات الديمقراطية، ،أو الشورى، وهو الاصطلاح الأفضل، والإيمان بهذين المثلين او المقولتين العربية والانكليزية سيقود إلى مراجعة الكثير من قراراتنا وخطواتنا، ويكون سبباً في نجاحنا أو في تفادي الكثير من الفشل والاخفاق في حياتنا كأفراد، وما يترتب على ذلك من المشاكل والاختناقات والتجاذبات (أو المكافشات أحيانا)  وكم سيؤدي هذا الإيمان (بالمراجعة والتعديل أو العودة) من دور كبير في سلامة القرارات وحنكتها ونجاحها، ولو أن مسؤولينا وحكامنا جميعاً، آمنوا وعملوا بالمثل الانكليزي ( مجنون من لا يتراجع عن رأيه ) لكان نجاحهم في قراراتهم المتراجع عنها أضعافا مضاعفة عنه في قراراتهم التي لم يتراجعوا عنها فلم تجلب لهم سوى الهزيمة والخذلان، ولشعبنا شتى انواع الضعف والهوان. 

 

أ.د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي  

 

 

»

اكتب تعليقا