اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

رحمة جمل

 

ما كدت انتهي من كلامي مع زميلي الشاب المؤدب، الذي أوضحت فيه كيف ميز نبينا (نبي الرحمة) بين الخير والشر بالرحمة، وسبق أن تناولتها في مقالة سابقة، ولكن هنا أضيف عليه قصة اخرى، حصلت لي وعمري كان عشر سنوات فقط، فقلت له: تعلم يا صديقي ان هناك حيوانات مفترسة، وأليفة أكثر رحمة أحيانا من  الإنسان، فلطالما قرأنا وسمعنا كيف ان حيوانات مفترسة غضت الطرف عن التهام او قتل الاطفال او غيرهم من الشيوخ والنساء عطفاً عليهم بعد أن شعروا أنهم ضعيفوا الحال!! ولطالما أنقذت القطط والكلاب الاطفال من موت محقق لهذا السبب او ذاك!! ولطالما أنقذت الكلاب أصحابها ومربيها من موت زؤام وكانت اوفى من بني الإنسان!! وصدق ذلك الشاعر العربي اذ قال في قديم الزمان مخاطبا الخليفة: إنك كالكلب في الوفاء، وقصصت عليه قصة ذلك الجمل الذي كان رحيماً جداً مع أخي، وكان طفلا، صغير العمر وقليل تجارب السنوات، فرجاني أن انشرها لعل فيها عبرة لبني الانسان وها انذا افي بوعدي .

في عصر احد ايام الصيف الحار وفي مدينة القاسم ابن الكاظم عليهما السلام حيث تتميز هذه المدينة بـ(وقفتها) الشهيرة أيام الجمع وأيام الخير والعطاء، ويتوافد عدد غفير من التجار للبيع والشراء، وتضج المدينة بقطعان الخراف والأبقار والجمال، كنت ماسكاً اخي الصغير بيدي، ولم يكن تجاوز الثلاث سنوات من العمر، أمام الدار، جنب جدار بستان، وكان هذا الصغير آية في الجمال لم اشهد أي طفل وطفلة بجماله الفتان حتى الآن، وكان معروفاً في المدينة حتى أن الكثير من أبنائها لم يكن يصدق انه ولد وليس فتاة، وكان والدي يحبوه حباً جماً لحسنه، ولأنه ختام الأولاد (آخر العنقود).

 كنت ماسكاً يده بشدة عند بدأت تسير أمامنا قافلة من الجمال، ولا اعلم كيف استطاع الإفلات من يدي والركض إلى الأمام، ولكن إلى أين؟  كان يهرول بتجاه تلك الجمال، لماذا؟ لا اعلم؛ هل ابهره منظرها، أو من دواعي الاستغراب!! فجف الدم في عروقي خوفاً من أن تسحقه (البعران)، حينها يحصل لي كل ما لم يكن في الحسبان ، وصدق توقعي، حيث سقط اخي امام احد الجمال ، وتوقعت ان الجمل سيسحقه بسيقانه حتماً، ودعوت ربي ان ينقذه وينقذني مما نحن فيه من حال، ولكن ما حصل أثار استغرابي أشد الاستغراب، وكأن الله انزل الشفقة والرحمة في قلب ذلك الحيوان، ولمَ لا ؟ فهو الذي يموت في البيداء والماء على ظهره محمول، لقد رفع ذلك الجمل ساقه الى الامام، وكانت رأسه متدلية الى الاسفل ليتحقق من المكان، فبعد أن تخطاه بساقه الإمام، ظل، هذا الجمل ذو الرحمة والاحسان مطأطئ رأسه إلى الأسفل ليرى ساقيه الخلفيين، ليتأكد بعينيه أنهما لن يكونا في بطن ذلك الطفل ذهبي الشعر، عسلي العينين أو في قلبه، وما إن تخطاه دون ضرر او أذى قام  أخي عائداً إلي كما كان، عاد الدم يجري في عروقي، وشكرت الله على عطفه علينا، وما انزل في قلب ذلك الجمل من رحمة وإحسان. نجا الطفل من موت محقق، ونجوت أنا من تقريع وملام كان يمكن ان يلازمني حتى الممات، وما زال أخي يعيش حتى أيامنا هذه، ولا اعلم ان كان الموت سيكون له رحمة في ذلك العام؟؟  الأعمار بيد خالقها عظيم الرحمة والإحسان

لا شك عزيزي القارئ انك فهمت قصدي مما قلت في هذا المقام، وربما تتفق معي بأن كثيرا من الحيوانات أرحم من كثير من بني الانسان ممن لا يأبه حتى لو قتل مئات الأطفال أو الآلاف. 

 

أ.د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي    

 

  

»

اكتب تعليقا