اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

بطالة وعطالة

 

العمل هو الاساس والعامل الرئيسي لكل ما وصلت اليه البشريه من تقدم ورقي، وقد من الله سبحانه وتعالى على الانسان بنعمه العقل الذي استطاع  من خلال تطويع الطبيعه لتامين احتياجاته وديمومة بقائه، فكان فكرة الاخلاق سبيل رقيه وتقدمه دائما، وقد خاطب القران الكريم الانسان وحثه على العمل في العديد من الايات القرانيه منها قوله تعالى :” فقل اعملو فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” وجاء في الاثر قول الرسول (ص) :”هذه يد يحبها الله ورسوله”.

لذلك نجد ان فلسفة الاقتصاد الاسلامي ركزت على عنصر العمل بأنه الاساس الرئيس في خلق الانتاج وزيادته وعلى العكس من الفكر الرأسمالي الذي عد عوامل الانتاج هي اربعة: الطبيعة والعمل ورأس المال والتنظيم، وركز الفكر الاقتصادي الاسلامي على العمل باعتباره العامل الوحيد لخلق الانتاج، اما الندرة في الموارد التي اسهب الفكر الرأسمالي في التركيز عليها كمشكلة اقتصادية لم تكن لها اهمية تذكر في الفكر الاقتصاد الاسلامي لان الله قد اغدق بخيراته على خلقه، ولكن افراط الانسان وتبذيره للموارد وسوء توزيعها هي المشكلة الاساس، وليس غريباً ان يحذو الفكر الاشتراكي حذو الفكر الاسلامي في نهجهه هذا.

اعود فأقول ان ما وددت التأكيد عليه في مقدمتي هذه ان العمل حق لجميع بني البشر يسعون اليه وعلى اولي الامر من دول وحكومات ومسؤولين ان يوفره لهم، وهذا واجب عليهم وليس منه منهم كما نشهد او نسمع او يذكر بعض رؤوساء الحكومات او المسؤولين بانهم وفروا او سيوفر فرص عمل للحد من البطالة، ذلك واجبهم الرئيسي وليس ثانوي كما يذكرون او يضنون.

هل هناك بطالة في العراق؟

نعم ان هناك بطالة اولا وان هناك عطالة ثانية فالوزارات المختصة والتي هي في هذا الجانب وزارة التخطيط ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة المالية، وكذلك المعاهد المختصة. على الرغم من قلتها وحداثتها فالاستشاريون الاختصاصيون فيها يقدرون حجم البطالة في العراق ما بين 25 – 40% من قواه البشرية القادرة على العمل وعلى الرغم من عدم وجود احصاءات دقيقة بخصوص ذلك فهي في تقديري لاتقل عن 30% في احسن الاحوال، وهذا الحال ناجم من عوامل كثيرة منها على سبيل المثال الآتي:-

1. قلة استخدام الايدي العاملة القادرة على العمل من كل القطاعات الحكومية الاقتصادية الانتاجية بالدرجة الاولى وذلك لتعطل اغلب مؤسسات هذه القطاعات وعدم تحديثها لان الدولة لم تحسم قرارها في تشغيلها بعد تحديثها او خصخصتها” او التخلص منها ” فضلاً عن عدم مباشرة الدولة ولاسباب كثيرة في اعادة الاعمار واصلاح البنى التحتية وتوسيعها كما يقتضي المنطق الاقتصادي ذلك.

2. عدم مباشرة القطاع الخاص بنشاطه الاقتصادي الانتاجي والخدمي لاسباب كثيرة منها بالدرجة الاساس عدم اطمئنانه عن طبيعة توجه الحكومة الحالية او المستقبلية الاقتصادية فضلاً عن عدم وضوح السياسات المالية الضريبية والكمركية والاستيرادية والانفتاح الاستيرادي لجميع السلع الاستهلاكية منها الانتاجية خصوصا وكذلك جعل القطاع الخاص يقف منتظراً ومتريثاً لما ستؤول اليه الامور في المستقبل حتى يحزم امره ويتخذ قراره لذلك كان استخدام الايدي العاملة في القطاعات الخاصة ضعيفاً ان لم يجر تقليصه .

3. لم تجر الدولة عبر وزاراتها المتخصصة أي تحفيز “حسب علمي” للنشاط الخاص الفردي سواء بتقديم الدراسات للشباب الراغب في هذا الاستثمار او بالاقراض بالشروط المناسبة ليتسنى له المباشرة بالتنفيذ بدلاً من بقائه عاطلاً عن العمل او باحثا عن وظيفة يعد بها اياما ويقبض راتباً.

4. ضعف الشبكة المصرفية التجارية حكومية كانت او خاصة في المساهمة في تحفيز النشاط الاقتصادي الاستثماري منها خصوصاً وذلك لاسباب عدة منها:

أ‌. البيروقراطية والفساد الاداري “كما اعتقد” .

ب‌. قلة خبراتها الصيرفية وضعف كفاية منتسبيها .

ت‌. تقليدية ادارتها ونشاطاتها وعدم انفتاحها.

5. قلة الخيرة في الاستثمار والاعمال الحرة وضعف مستوى التعلم الاداري للاعمال والتصنيع وغيرها من الأنشطة التي يمكن ان توفر للشباب القادر على العمل الكثير من الفرص المناسبة ولعل هناك الكثير من العوامل الاخرى التي ساهمت في زيادة عدد الايدي العاطلة في البلد وارتفاع نسبها ومنها الأتي:

أ. تسريح أو حل الجيش العراقي وتشكيلات قوات الامن والشرطة الخاصة والتي كان عددها يقارب المليون شخص.

ب. عودة الكثير من العراقيين المهجرين او اللاجئين او المغتربين من العراق في دول اخرى بسبب سياسات النظام السابق او لاسباب عدة وهناك اسباب اخرى متفرقة وعديدة . وهذا ما يتعلق بجانب البطالة اما العطالة فاني استطيع اجمالها بالاتي:

اولاً: احتواء الجهاز الحكومي وبسرعة فائقة اعدادا كبيرة من الموظفين الاداريين وذلك لعودة المجازين منهم لفترة طويلة او تاركي العمل لانخفاض الرواتب او التعيينات التي جرت املاء للدرجات الوظيفية الشاغرة بعد تحسن الرواتب والاجور او توفر فرص العمل بعقود مما جعل جهاز الدولة الاداري  في الوقت الحاضر مترهلاً باعداد كبيرة منهم لم يجر احصائها لكثرتها وعدم اهتمام الوزارات المختصة المؤقتة بنوعية الاداء بل تسيير الامور قدر الامكان ، مما جعل الوزارة المالية تتردد في اعطاء الدرجات الوظيفية باي صورة كانت شعوراً منها بانفلات الملاك وحشر الموظفين حشراً في الغرف والصالات حتى اصبح الشح في اعطاء الدرجات لاهم الوظائف والملاكات كالاساتذة الجامعيين والملاكات الفنية من مهندسين واطباء وصيادلة وفنيين، ان مراجعات الخريجين باختصاصات عالية للبحث عن وظائف وباجور زهيدة وهو امر يحز في النفس ويدمي القلب فمتى تستقيم الامور وتقيم الكفاءات ويجد الجميع مجالاً لرزقهم حسب كفاءتهم وهي في اعتقادي من ايسر الامور واسهلها لشباب هذا الوطن الوافر بالخيرات.

ثانياً: اما المظهر الاخر للعطالة هو كثرة الاعمال الخدمية او الهامشية او البسيطة التي يمتهنها الكثير من الشباب كالحراسة التي املتها الظروف الامنية او اعمال البناء الوقتية غير الدائمة او اعمال البيع على الارصفة والطرقات او المضاربات البسيطة او الاعمال الهامشية مؤقتة او طارئة والتي هي من غير من غير اختصاصهم او قابليتهم ، ان هذا كله عطالة وليس عمالة لانها يمكن الاستغناء عنها وهي غير منتجة وغير ضرورية كما انها غير مجزية ان لم تكن احياناً مهينة لمن يمارسها لعدم مناسبتها مما تؤدي هذه العطالة من ضرر كبير في انتاجية القطر ودخله القومي الاجمالي وصافيه.

ما هو السبيل للقضاء على ظاهرة البطالة؟

وللاجابة على هذا السؤال فاني ارى الآتي:

1. ضرورة المباشرة وبسرعة مناسبة في اعمال اعادة الاعمار واعادة البنى التحتية للاقتصاد العراقي عامة ومن ثم توسيع قواعد هذه البنى وتحديدها وتوسيعها لاهمية ذلك من ناحيتين هما:

أ. عدم ابقاء وضع البنى الارتكازية للاقتصاد العراقي بهذه الصورة المأساوية فضلاً عن الحاجة للتحديث والتطور لجميع القطاعات الاقتصادية الاساسية التي يحتاجها الاقتصاد العراقي ومنها النفط والغاز والكهرباء والري والنقل والمواصلات والاتصالات والتجارة الداخلية والخارجية والانشاء والاسكان وبالنسبة للقطاعات الاقتصادية الخدمية كالدفاع والامن والصحة والتربية والتعليم والثقافة والخدمات الاجتماعية الاخرى، اذ لا يمكن ان تحصل أي تنمية اقتصادية من دون توفر ما ذكرت بالصورة المناسبة .

ب. ان الانفاق الاستثماري الذي سيحصل في سبيل تحقيق ما ذكرته اعلاه سيكون له افضل الاثر في تسريع وتيرة نمو الاقتصاد العراقي باقصى سرعة ممكنة وبصورة مشابهة لما حدث في منتصف السبعينات، وحيث ان الاقتصاد العراقي يعاني من حالة الركود فان القاء مثل هذه الكتلة الاستثمارية في حوضه ستؤدي “على وفق نظرية المضاعف الكنزية ” الى ارتدادات متعددة في الجوانب الاستهلاكية والاستثمارية وبالتالي ستؤدي الى زيادة الطلب الفعال والى استمرار تشغيل الايدي العاملة بصورة اسرع وبأجور اعلى مما تؤدي الى ارتفاع نسب نمو الاقتصاد العراقي وتحسينه.

2. ضرورة قيام الدولة بطمأنة القطاع الخاص وبجميع نشاطاته بأن لهم دوراً هاماً في التسمية الاقتصادية وان سياسة الدولة هي تحفيزهم على تشغيل معاملهم ومتاجرهم وغيرها في منتهى الحرية والشفافية وضرورة اعفائهم لفترة عشر سنوات على الاقل من الرسوم الكمركية وضرائب الدخل وغيرها فضلاً عن تقليل الاساليب الادارية الرئيسة في تعامل الدولة معهم وذلك لاهمية استقرار الاوضاع الاقتصادية والمالية والقانونية والادارية ليكون اتخاذ القرار بالنسبة لهم من بينة واضحة شفافة وليس مظلمة مشوشة ولا شك ان في ذلك دافعاً كبيراً لاستثمار وفير.

3. ضرورة قيام الدولة بتشجيع اصحاب رؤوس الاموال والمدخرين من استثمار اموالهم بمشاريع مناسبة او المساهمة في تأسيس شركات مناسبة في مجالات اقتصادية مهمة مجدية ومربحة بدلاً من بقاء اموالهم معطلة ومكتنزة ومن  المعروف ان الاكتناز محرم شرعاً، وثبت انه احد الاسباب الهامة لحصول الازمات الاقتصادية في الاقتصادات الحرة، وبذلك يتحقق جذب كبير من الايدي العاملة في سوق العمل وبدلاً من بقائها معطلة تكون فعالة ومنتجة ومستهلكة .

4. تشجيع الشباب من حملة الشهادات العلمية المناسبة بإقامة مشاريعهم الخاصة المنتجة وذلك بتهيئة الدراسات الخاصة اللازمة الموجهة لاستثماراتهم بفضل قابليتهم وشهاداتهم الخاصة وبفضل توفير التمويل اللازم بواسطة الوزارات المختصة ومؤسساتها ومنشأتها وخصوصا وزارة التخطيط ووزارة المالية.

5. وينبغي اعادة النظر في وضع البنوك التجارية الحكومية والخاصة برفع كفايتها ونشر فروعها في جميع انحاء القطر ليكون ضخ الاموال وسحبها واسعاً ومنتشراً في جميع انحاء القطر وبكل كفاية وحداثة مصرفية اسوة بمصارف العالم المتقدمة .

6. توجيه نسبة عالية من المساعدات والمنح المالية نحو الاستثمارات العامة او تخصيصها للاقتراض الاستثماري بمختلف انواعه لتأمين سيولة مالية مناسبة لمختلف الانشطة.

7.ولا شك ان هناك الكثير من اوجه الانفاق التي يمكن ان تساعد في تشغيل الشباب العاطل عن العمل او العطالة المقنعة والتي هي مختلفة ومتنوعة ولكني تحدثت عن اهمها.

ماهو السبيل للقضاء على العطالة؟

وللاجابة على هذا السؤال فاني ارى الآتي:

1. ان ما ذكرته في اعلاه سيؤدي حتماً الى سحب الكثير من الشباب او الايدي العاملة التي هي في الحقيقة تمثل بطالة مقنعة او عطالة الى مجالات عمل اكثر اجراً او دخلاً واضمن من جميع جوانبها المادية والمالية.

2. ينبغي ان تعيد الدولة النظر في هياكلها الادارية وتشكيلاتها الحكومية وبنفس الوقت هياكلها الوظيفية لتكون رشيقة وكفؤة وتتخلص من العمالة الفائضة المكلفة كثيراً من الجوانب المالية والمعرقلة كثيراً من النواحي الادارية.                    

 

 

 أ. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا