اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

رأسان أقوى…..حية أم رأسين أضعف

يبدو أن جميع شعوب العالم (حسب علمي واطلاعي) لديها من الأمثلة والأقوال المعبرة والدالة عن  كثير من الأفعال والحالات ؛ الايجابية أو السلبية. باختصار وتركيز دقيق وبليغ, وفي عراقنا العزيز الكثير من الأمثال والأقوال الجميلة والحكيمة، والصيغة الدالة أو الناقدة (أو الساخرة) وبلغة رقيقة وأدبية جميلة؛ محزنة أو مفرحة أو مضحكة حتى! وتشترك المجتمعات العربية اغلبها في الكثير من هذه الأمثلة التي تعبر عن الكثير من وقائع تأريخها وماضيها ومستقبلها: أفراحها ومآسيها, تطلعاتها وأمانيها.

وتدور خاطرتي هذه حول موضوع فائق الأهمية وينطبق على أحوال وحالات كثيرة في مجتمعاتنا العربية عموما، ومجتمعنا العراقي على وجه الخصوص, وعنوان خاطرتي هذه وليد مثلين وحّدا بمثل واحد، وهما مثلان غير عربيين ولا عراقيين، بل مثلان روسيان. يذكرهما الروس ويتندرون بترديدهما, ولاشك أن هذا المثل (أو المثلين) واضح من عنوانه، فهو يتعلق بالتشاور واتخاذ القرار, ولاشك، أيضا، أن قرائي الأعزاء يعلمون جميعًا أن شريعتنا الإسلامية أكدت أهميته في قرآننا الكريم بالآية القرآنية (وأمرهم شورى بينهم) لتكون الفصل في اتخاذ القرارات وتحمل المسؤوليات.

وهذه الآية تشمل جميع نواحي الحياة ووحداتها الاجتماعية، فهي تشمل العائلة, والعشيرة, والمحلة, والمجلس؛ أي مجلس يكون: مجالس الأحزاب، أو مجالس الحكم، أو مجالس الوزارات، أو مجالس النواب، ذلك لان الشورى تؤدي إلى دقة وسلامة القرار المتّخذ، وتُحمّل الجميع مسؤولية صحته  أو خطأه، ومن ثمّ لا يتحمل هذه المسؤولية فرد واحد. ومن الواضح أنه غالبًا ما أدى تحمل فرد واحد لمسؤولية اتخاذ القرارات (وخاصة إذا كان بصورة مطلقة) وان كان صحيح بعضها، لكن الخطأ في اتخاذ قرار واحد منها يؤدي غالبًا إلى نتائج عكسية كارثية في الغالب.

أعود إلى عنوان خاطرتي هذه، وماذا تعني الرؤوس فيها. فمن الواضح أن الرأسين عُنيَ بهما أن اجتماع إنسانين على رأي يجعل من هذا الرأي رأيا أقوى وأفضل من رأي لا يجتمع عليه سوى رأس صاحبه، ولربما يكون اجتماع رؤوس ثلاثة، كما أرى، أقوى، ذلك لان الرؤوس من المكن أن تحقق الإجماع والأغلبية في اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية، فان كانوا اثنين من ثلاثة؛ فهذا دليل الديمقراطية بتنفيذ قرار الإجماع أو الأغلبية الذي يؤكد رجاحة الرأي المجمع عليه.

وهذا ما يدلّ عليه المثل الروسي في سطره الأول؛ بأن رأسين أقوى, أما الجزء الثاني، الذي يقول إن حية أم رأسين اضعف, فيشير بوضوح إلى أن تولي الأمور ودقتها من قبل شخصين (يتشاطرون) القيادة، والحسم في صغير الأمور وكبيرها، ويتنازعون القيادة هذه ستؤدي إلى أن تكون إدارتهم وأداؤهم ضعيفـًا؛ بسبب تشتت القرار، إذ أن كلاً منهم ينحى بالأمور، في اتجاهه.

وقد تسألني عزيزي القارئ عن حقيقة ودقة هذا الأمر وفقا للواقع المعاش، لذا ابين لحضرتكم أن المثل دقيق وسليم, فلطالما شاهدت الحيّة أم رأسين، أيام كنت أعيش في الريف، أي في طفولتي، حيث المزارع، والبساتين، والأنهار، والأفاعي,لقد شاهدت كيف أن رأسيها يتجه كل واحد منهما باتجاه يخالف اتجاه الآخر؛ الرأس الأيمن يميل إلى السير نحو اليمين، والرأس الأيسر يميل إلى السير نحو اليسار، وبسبب من هذا الاختلاف نرى حركة جسدها بطيئة، فبدلاً من أن تكون، كغيرها من الحيات من ذوات الرأس الواحد، كما شاهدتها أيضا، سريعة، قادرة على اللف والدوران بسهولة , نرى أن الحية أم رأسين وبسبب اختلاف وجهة رأسيها (قيادييها) ضعيفة بطيئة الحركة، لا تستطيع اللف والدوران. من هذا أتت دقة المثل الروسي هذا وحكمته.

لعل ما ذكرته في هذه السطور أصبح واضح المراد منه لقارئي العزيز، وهدفي منه بين أيضا, وان شابه شيء من الغموض، فليس لي إلا أن أعود لأذكر لحضرتك بوضوح أكبر هدفي منها: يجب أن تكون أعمالنا وقراراتنا في جميع أوجه حياتنا: العائلية، والعشائرية، ومجالسنا الاجتماعية. في منظماتنا السياسية، ومجالس عمل إداراتنا، ومؤسساتنا، ووزارتنا ومجالسها ومجالس نوابنا، أو غيرها، خاضعة في تسييرها للشورى التي أمرنا الله بأن نجعلها الفيصل، وان لم تكن كذلك، فسيكون حالنا أشبه بحالة الحية أم رأسين، كل رأس ينحو نحوا مختلفا عن الآخر، فهما رأسان لا يتفقان على رأي موحد، هذا الاختلاف ينعكس على جسدهما، لذا نراه لايتحرك، وان تحرك قليلاً نحو الأمام، فهو لن يكون سريعًا ولا حكيمًا أو حاسمًا.

فتتأخر أو تتعثر المسيرة وتتسع الهوة أو الفجوة بينهم وبين من يستطيع اتخاذ القرارات الحاسمة والمؤثرة والمنتجة التي اتخذها مقرروها بمسؤولية ودقة.

وعلى هذا عزيزي القارئ إن بقيت أمورنا يديرها الكثيرون ممن يعدون أنفسهم رؤوس السلطة، وهم في موضع المسؤولية، واتخاذ القرار، لكن يرى كل واحد منهم في نفسه أنه هو فقط رأس السلطة وصاحب المسؤولية، نرى أن جسم الدولة ككل سينحو كل في اتجاه: يعارض أو يغاير، يتقاطع، أو يتناقض، لكون كل واحد منهم (المسؤولين) لا يسير إلا على وفق ما يرى ويعتقد ويرغب، لسبب أو بدون سبب أو لألف سبب. فيختلط الحابل بالنابل ويكون (وقد يكون هو الحال فعلاً) كسفينة تتلاطمها الأمواج، وان كان المرحوم (المنلوجست) عزيز علي قد قال في إحدى منلوجاته الشهيرة التي غناها في مطلع الخمسينيات، والتي جاء فيها.

ياعرب كثروا الملاليح        وسفينتنه غرفت مي

فوكاها الريح معاكسنه       وهذا الروج اليطوي طي

ولا اعلم ما عساه سيغني، أو يقول لو كان حيًا يرزق حتى هذه اللحظة، فهل سيعجب من كثرة الملاليح، أو كثرة البلامة أو كثرة الرعيان أو من كثرة الرؤوس التي تدير الأمور، حتى أصبحنا كحية أم رأسين بل قد تكون اشبه بحية لها مئة رأس والله قادر على كل شيء قدير.

 

 

أ. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي


»

اكتب تعليقا