اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

 

حقاً أن شاعرنا المتنبي غني عن التعريف على كل متعلم أو مثقف عراقي أو عربي أو إسلامي ( كما اعتقد) فهو الذي أقام الدنيا ولم يقعدها بشعره وفلسفته وإن كان البعض يعده من أعظم الشعراء العرب ولكني لا أعده من أكثرهم سمواً بل إن الإمام علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) كان شعره الأسمى والأجل يليه الإمام الشافعي( رض) على الرغم من أنهما كانا يقولان الشعر لأجل الحكمة والموعظة وهذا رأيي وإن كنت لا احترف الشعر ولا أنظمه وقد كتبت قصيدة واحدة في حياتي قالت عنها الفتاة الماهرة التي طبعتها إن كتاباتك أفضل بكثير من شعرك فمزقت القصيدة وأقسمت أن لا انظم شعراً مرة أخرى.

إن شاعرنا الكبير المتنبي الذي له قبر قرب مدينة النعمانية ويقام له مهرجان متواضع كل عام، أمَّا أنا فأتمنى أن يخلد  بجامعة أو كلية على الأقل في تلك المدينة تكون باسم جامعة المتنبي للدراسات الأدبية وتكون هذه الجامعة مستقبلاً خالدة كخلود شارع المتنبي الذي لم يكتمل حتى الآن إعماره.

كان حديث الأستاذ الدكتور سامي مكي العاني عميد كلية الآداب في الجامعة المستنصرية سابقاً الذي استمعت إليه من إذاعة الكويت في إحدى ليالي الخميس في أواخر الثمانينيات إذ أبدع في حديثه عن المتنبي  وأجمل ما كان في ذلك الحديث الذي خصص عن المتنبي وأشعاره وبلاغته وغيرها من الصفات عندما سأله المذيع هل يرى الأستاذ مكي أن هناك في الوقت الحاضر شاعراً بمستوى المتنبي / أجابه مباشرة نعم، إنه الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري.

أعود بك عزيزي القارئ إلى بيت شعره وهو عنوان مقالتي هذه ونصه الكامل هو :

 

                            ذو العقل يشقى في النعيم بعقله              وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

وإذا كان شاعرنا العظيم يدلنا في الشطر الأول من بيت شعره على أن ذوي العقول قد شقوا في زمانهم بعقلهم وهم يعيشون في نعيم وهذا يخفف علينا بالوقت نفسه ما نراه في عصرنا الحاضر من معاناة أصحاب العقول من شقاء وبلاء في بلد كان ينبغي أن يكون بلد نعيم ورخاء إن لم يكن هذا الحال أكثر شقاوة وعناء عليهم، وبما أن العقل هو صانع الفكر ومولده لذلك كان شقاء الفكر وأصحابه في زمننا المعاصر أكثر شقاء وبلاء ولربما أقسى من ذلك إذ عبر عنه شبيه المتنبي شاعريةً في وقتنا المعاصر ألا وهو المرحوم الجواهري عندما رثى الفيلسوف أبا العلاء المعري في حفل تخليده في سوريا في منتصف القرن الماضي عندما قال في قصيدته .

                           قف بالمعرة وامسح خدها التربا     واستوح من طوق الدنيا بما وهبا

                           لثـــورة الفكــر تأريـخ يحدـثـنا       بأن ألف مسيـــحٍ دونـها صُــلِبا

إذ أعجب مطلع هذه القصيدة الأديب المصري طه حسين الذي كان حاضراً  في المهرجان وقتذاك فطلب من الجواهري إعادته، فأعاده الجواهري وأضاف:

                           قف بالمعرة وامسح خدها التربا     واستوح ممن طوق الدنيا بما وهبا

                           لثــورة الـفكـر تأريـخ يحــدثـنا      بأن ألـف ألـف مسيـح دونها صلبا

فقال له المرحوم طه حسين ، حقاً لأنك أشعر العرب .

أعود إلى الشطر الثاني من بيت شعر المتنبي الذي يذكر فيه أن أخا الجهالة في الشقاوة ينعم فإني أرى أن هذا الشطر ليس غريباً في عصرنا الحاضر بل ما زال واقعاً حاضراً في حياتنا، ذلك لأن الجهل عاد وعم في مجتمعنا بعد أن توقعنا انحساره منذ سنوات وقد أفرزت أوضاع بلدنا ومجتمعنا وأزماته ظاهرة الجهل ووسعتها وقد تجد الملايين ينعمون في جهلهم وشقائهم في حين أن ذوي العقول يشقون في نعيمهم ، إلا أن الأمر الأدهى أنك تجد بعضا ممن يدعون العلم والمعرفة ويتبخترون بشهاداتهم العالية، جهلة لا يعرفون شيئا من العلم والمعرفة حتى وأن كانت لديهم عشرات الشهادات (أولية كانت أم عليا) وهم في حقيقتهم بلداء يجيدون الثرثرة والنفاق والرياء ، يضرون في أعمالهم ويلحقون بوطنهم وشعبهم أكبر الضرر، لأن عددهم فاق تصور العقل ، تخيل عزيزي القارئ كيف سيكون وضعنا لو تسلم هؤلاء البلداء مقاليد الأمور،  بلا شك أنهم سينزلون البلاء على أبناء وطنهم وشعبهم، لأنهم لا يفقهون شيئا مما يصنعون ،واستميح المتنبي الكبير عذرا لأني سمحت لنفسي أن اتصرف ببيته لأقول:

                           ذو العقل يشقى في النعيم بعقلهِ               وأخو البلادة في غبائه ينعمُ

 

 

 أ. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

          

»
  1. كل كلمه في تلك المقاله جميله
    شكراللثقافه!!

    Comment بواسطة بتول — June 10, 2010 @ 10:59 am

  2. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

    ماشاء على مقالك هذا يدكتور

    نعم ان هذا الشاعر من اروع الشعراء الذين سطروا زمانهم

    شكرا مره اخرى

    Comment بواسطة sealove — August 14, 2010 @ 3:07 am

اكتب تعليقا