اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

أبو جاسـم لر

لا أظن أبداً – عزيزي القارىء – أنك لم تقرأ أو تسمع بتاريخ عراقنا العظيم إن لم يكن كله فجزء مهم منه لأنه زاخر في مسيرته العظيمة بكل أنواع الخير والشر لذلك كان يزهو بالأحداث والوقائع البيض أو الحمر أو الخضر أو السود التي ذكرها شاعر مدينة الحلة العظيم صفي الدين الحلي إذ قال :

بيض صنائعنا خضرُُ مرابعنا                  سودُُ وقائعنا  حمرُُ مواضينا

وفي سيرة عراقنا الكثير من الحقب والوقائع الشريرة والفضيعة التي ارتكبها حكام جائرون لم تكن في قلوبهم رحمة أو شفقة على أبناء شعبهم الذين كانوا ينظرون لهم على أنهم عبيد أذلاء ، وفي ذلك التاريخ كانت هناك حقب من الزمن شاع فيها العنف والإجرام وحركات التمرد والفوضى وان لم تطلع عليها – عزيزي القارىء – فاني أرجو منك العودة إلى الكثير من كتب تاريخ العراق القديم والوسيط والحديث التي وضعها أساتذة جامعاتنا  ( رحمهم الله وأطال عمر من بقى منهم ) كان هناك الكثير من الملوك والسلاطين ليسوا ملوكاً ولا سلاطين بل كانوا متسلطين على أعناق هذا الشعب المسكين ، وكانوا هم السبب في ظهور الكثير من حركات التمرد عليهم للخلاص من تسلطهم وشرورهم ولو بعد حين ولكنهم ازدادوا تمادياً في ثورتهم وتمردهم فأصبحوا يذكرون في التاريخ بوصفهم شقاوات وليسوا ثائرين مع استثناء ثورات الأئمة العظام الطاهرين (عليهم السلام).

في بدايات القرن الماضي لطالما كان الحديث عن بعض الشقاوات الذين لدينا في العراق لهم مواقف جيدة لأنهم انتصروا للحق ودفعوا ظلماً عن بعض الناس في مواقف صعبة تجاه شخص أو حاكم متسلط فهم يشبهون في أعمالهم روبن هود الانكليزي أو خرده دي منس الاسباني  وكان هناك شقاوة متميز بالاعتداء على الآخرين بالشر والتجاوز والسلب  يسمى ( أبو جاسم لر) وان كان أبو جاسم تسمية شائعة في العراق ، فإن الاسم أو اللقب الآخر لا أعرف مصدره وسببه ولربما كان لقبه الحقيقي أبو جاسم شر ولكن خوفاً من عدوانه وجسارته أصبح يسمى (أبو جاسم لر ) ، أيام كانت السلطة في بغداد في تلك المدة ضعيفة الكفاءة والأداء كان هذا اللر متميزاً بالشر ، سألت أحد كبار السن مرة إن كان يعرف عن هذه الشخصية من أعمال وشرور هذا (اللر) . وأتذكر منها ما قاله لي مرة من أن هذا (اللر) عندما يكاد ينتهي اليوم ولم يعتد أو يضرب أحدا يقول لا يمكن أن ينتهي يومي هكذا من دون أن أقوم بأي اعتداء (أو هرجة)  فيبادر فوراً بالعبور سباحة من جانب الرصافة إلى جانب الكرخ ليشبع أول من يلاقيه ضربا ولكماً ويعود سباحة إلى جانب الرصافة ، وهكذا كانت شقاوة هذا (اللر) متميز فعلا بالشر وأترك لحضرتك – عزيزي القارىء – الحكم على مدى تمييز هذا الشقاوة في شره .

وإن كان في تأريخنا الحديث أو ليس البعيد عندما كانت الدولة ضعيفة قليلة العدد من الشرطة والحراس قليلة الإمكانيات فمن المؤكد أن يظهر بين أبناء المجتمع شقاوة أو أكثر ، ولكنه أمر غريب ان نجد الان الآلاف من أشباه ابو جاسم لر في كل مفصل أو مقطع إينما ذهبت أو حللت أو أقمت أو رحلت ، وإذا كانت الحضارة والتحديث عملت في كل مجتمعات العالم ( كما اعتقد ) على سيادة المثل والاحترام بين أبناء المجتمع الواحد وكذلك المجتمعات الأخرى ، فيجب أن تكون الأخلاق والاحترام والتعاون والصفاء والوئام هي ما يتصف به شعب العراق ، وليس أخلاق أبو جاسم لر (الشرير) وليكن شعارنا ما قاله شاعر مدينة الحلة العظيم صفي الدين الحلي:

 

إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفاً        أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا

ا. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي


»

اكتب تعليقا