الرئيسية
السيرة الذاتية
مقالات
مؤلفات
البوم الصور
رسائلكم
رثاء
اتصل بنا |
|||
اهلا بكم
أحدث التعليقات بحث في الموقع |
إصلاح التعليم العالي في تركيا وإصلاح التعليم العالي في العراقلطالما كانت ليلة الخميس ليلة سعيدة لي لأن اليوم الذي يليها يكون يوم الجمعة ، فأستطيع خلالها السهر حتى ساعة متأخرة ، ولا أفكر في الاستيقاظ مبكرا . كنت أستغل ذلك المساء في القراءة ، ومراجعة بحوث الطلبة ، وتصحيح أوراقهم الامتحانية ، وغيرها من النشاطات، وغالباً ما كنت أضع الراديو الصغير بالقرب مني لسماع الأخبار ، وخاصة خلال عقد الثمانينات في القرن الماضي ، حيث كانت الاوضاع الساخنة والحرب العراقية الايرانية مستمرة ومستعرة . في أحد الليالي توقف مؤشر الراديو على محطة صوت العرب ، حيث نشرة الاخبار ونبه المذيع المستمعين قائلاً :- ( وبعد نشرة الاخبار أعزائي المستمعين سنستمع الى تقرير مراسلنا العلمي في تركيا وسيكون موضوع حديثه هذه الليلة أصلاح التعليم العالي في تركيا ) وضعت الكتاب جانباً وانصرفت لمتابعة الأخبار ، متشوقاً لسماع التقرير الذي يتناول موضوع مهم لدينا في العراق ، وهو أصلاح التعليم العالي والبحث العلمي . أنتهت النشرة وبدأ مراسل إذاعة صوت العرب العلمي بالحديث فقال :- فكرت الحكومة التركية بإصلاح التعليم العالي لأهمية هذا القطاع ودوره الحيوي في النهوض الاقتصادي والاجتماعي ، واتفقت على تكليف الاستاذ الدكتورأحسان الدوه غرمجي في إجراء ذلك ، ومنحته الصلاحيات كافة ، ووفرت له الامكانيات اللازمة كافة ، والأستاذ إحسان الدوه غرمجي هذا أستاذ الطب في جامعة السوربون ، ذو ثروة مالية جيدة ، وهو عراقي الأصل من مدينة كركوك ، ولطالما استضافه الدكتور عبد العزيز الدوري رئيس جامعة بغداد سابقاً خلال فترة الستينيات من القرن الماضي أستاذاً زائراً فيها ، للإفادة من خبرته بمحاضرات مهمة يلقيها على طلبة جامعة بغداد. فماذا عمل الأستاذ احسان الدوه غرجي ؟ وماذا خطط ؟ عزيزي القارئ كما كان يقول مراسل صوت العرب، يملك الدكتورأحسان الدوه غرجي جامعة خاصة هي جامعة (حاجة تبة) للطب والهندسة ، فقام بإعادة تأهيلها وأستكمل ملاكها العلمي والفني والاداري بأفضل الاساتذة والمتخصصين والفنيين ، وجهزها بأفضل الأجهزة والمعدات والمواد والكتب والمجلات العلمية وكل ما تحتاجه مثل هذه الجامعة من مواد ومستلزمات ، وحرص على أن تكون نسبة الطلبة للتدريسيين في كلية الهندسة عشرة طلاب فقط في الشعبة الواحدة ، والطب ستة طلاب فقط ، وأضاف المراسل أن هذا العدد القليل او الذي هو وفق النسبة العلمية الصحيحة جعل التدريسي أخاً للطلبة ، ثم وقف الدوه غرمجي جميع ممتلكاته وثروته لهذه الجامعة ، ولم يبق يملك سوى بيته الصغير الذي اوصى ان يكون بعد وفاته ملكاً للجامعة . هذا هو الأنموذج الرائع الذي أقامه الدكتور أحسان الدوه غرجي لأصلاح التعليم العالي في تركيا ، ثم أوصى الحكومة التركية ان تكون جامعة ( حاجة تبة ) جامعة حكومية ان استطاعت الحكومة ان تجعل مستوى جامعاتها الحكومية بمستوى جامعته جامعة ( حاجة تبة ) وبذلك أنهى مراسل اذاعة صوت العرب العلمي في تركيا حديثه العلمي . لا اخفي عليك عزيزي القارئ ألمي الشديد على حال التعليم العالي والبحث العلمي في العراق عند سماعي الحديث ، والذي لا زال كما هو حتى ألان ، وأنا في ذلك لا أنتقص أبداً من كفاءة وعلمية هيئات التدريس في جامعاتنا ـ شيباً و شباباً ، أساتذة أو مدرسين مساعدين ـ ولا من كفاءة وشوق طلبتنا للدراسة والبحث ، بل العكس فأني دائم الثقة بما يتمتع به تدريسيونا من إمكانيات علمية وما يمتلكه طلبتنا من رغبة في نهل العلم مهما صعب او صعبت الظروف، وانا على علم وثيق بذلك طيلة نصف قرن قضيتها في التعليم العالي ـ هي عمر التعليم العالي الحديث في العراق بالتمام والكمال ـ إنما ألمي وحسرتي كانت ـ ولا زالت ـ على ما أعده ذلك العبقري التركي العراقي الاصل من أنموذج رائع لاصلاح التعليم العالي في تركيا، فأين هو أنموذجنا في العراق . ولن أحدثك عزيزي القارئ عن إصلاح التعليم العالي الاهلي او الخاص ، بل إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي الحكومي في العراق ، لأن التعليم الخاص في العراق مازال يحبو ويزحف خلف التعليم العام او الحكومي ، ولن يصل إلى مستواه إلا بجهد جهيد من جميع جوانبه ونواحيه لعشر سنوات قادمة ( وهذا رأيي الخاص ) اما التعليم العالي العام فهو مشكلة المشاكل. وسأتحدث عنها بالتفصيل لأورخ هذا الجانب الذي بات خطيراً ، والذي أعتقد أن الحديث فيه واقتراح الحلول له بات ضرورياً ، فضلا عن انه واجب علمي ووطني ينبغي ان يتصدى له مسئولو وأساتذة التعليم العالي كلهم ، وأصحاب القرار في الدولة والحكومة ، وعلماء العراق في الاختصاصات المختلفة التي لها علاقة ومساس بمؤسسات التعليم العالي ومؤسسات القطاعات الأخرى ، وذلك لوضع استراتيجية متكاملة وهادفة لأصلاح التعليم العالي والبحث العلمي ، يكون بعدها قادراً على السير في الطريق الصحيح ، ولا يحتاج إلى ندوات وسياسات أو مؤتمرات او أوراق لإصلاحه ، لأن هدف هذا القطاع ومؤسساته بجامعاته وهيئاته هو اصلاح جميع قطاعات المجتمع الاقتصادية الانتاجية والخدمية ، ورفدها بالموارد البشرية المؤهلة . وإن سألتني عزيزي القارئ : وما هو رأيك ؟ أو أدلو بدلوك وبيان ما تقترحه لاصلاح هذا القطاع الذي قضيت نصف قرن من عمرك في خدمته ؟ فسأوجز ما لدي بالآتي : أولاً / مسيرة التعليم العالي في العراق ومحاولات الإصلاح لم يكن التعليم العالي في العراق ممثلاً بجامعة بغداد ومن ثم بجامعة الموصل وجامعة البصرة وحتى أستحداث وزارة التعليم العالي والبحث العلمي سنة 1970م بحاجة إلى أصلاح ، وبغض النظر عن بعض السلبيات البسيطة التي ليس لها شأن ، لأن مسيرة تلك الجامعات منذ تأسيس أمها جامعة بغداد سنة 1957 وحتى انفصالهما ( الموصل والبصرة ) في 1/4/1967 لم تكن ـ جميعاً ـ بحاجة إلى إصلاح ، ومسيرتها عموماً رصينة وقويمة وذلك بفضل ما كانت ترصده لها الدولة من منح مالية ( وليس تخصيصات كما صار لاحقاً ) والاهم بفضل مسؤوليها جميعاً ،الأساتذة العلماء حملة أرقى الشهادات من مختلف الجامعات الرصينة من مختلف البلدان الراقية ، ولا أنسى أن اذكر ان جامعة بغداد التي بدأت بعض اقسامها تمنح الماجستير والدكتوراه قبل اكثر من اربعين سنة، ورغم ما أصاب جامعة بغداد من خلل في هيكليتها الجامعية وتشكيلتها الادارية بسبب دراسة خاطئة نفذت سنة 1968. وبالرغم من بدء التسلق الحزبي للقيادات العلمية في الجامعات ولكنها لم تكن واسعة وحذرة ، وذلك لثقل وعلو مستوى هيئات التدريس فيها ـ بما فيهم غير العراقيين ـ فبقي مستوى التعليم العالي عالياً ، وحتى بعد تأسيس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي سنة 1970 وصدور قانونها الاول الرصين فأن واقع التعليم العالي والبحث العلمي بقى رصيناً . وجاء المؤتمر العلمي الاول للتعليم العالي والبحث العلمي سنة 1972 لترصين التعليم العالي وتعميق البحث العلمي . ثانياً / ندوة اصلاح التعليم العالي الاولى سنة 1981 بعد عقد السبعينيات وما مر بالعراق من أحداث ، وبعد بدء الحزب القائد والواحد في حملة التسييس والكسب الحزبي وابتعاث وعودة الكثير من الكفاءات التي كان ينبغي عليها أن تقدم الطاعة والولاء ، وبعد اندلاع حرب عرفت بدايتها و لم تعرف نهايتها ، عقدت في ربيع سنة 1981 ندوة اصلاح التعليم العالي والبحث العلمي الأولى ، وما تمخض عنها كان واضحاً لا يحتاج الى برهان ، فهي لم تحقق الا تغيير الوزير الذي وعد بلامركزية التعليم العالي ، فإذا به يحول التعليم الى ادارته المركزية ، وكذلك العودة الى النظام التعليمي السنوي والغاء نظام الفصول ، فكان ذلك القرار رجعة سريعة الى الوراء ، ولم يتحقق خلال فترة الخمس سنوات في عقد الثمانينات أي شي يمكن ان يذكر لصالح ندوة الإصلاح ، أما ما لحق بأعضاء هيئة التدريس من شتى صفوف الخوف والارهاب السلطوي فهو ما يحتاج الى الف مقال . ثالثاً / ورقة اصلاح التعليم العالي والبحث العلمي سنة 1989 اما هذه الورقة التي اعدتها دوائر وزارة التعليم العالي من مسؤولي ديوانها ، أو بمساهمة من كانوا يعلمون ان ما سوف يكتب يجب أن يكون ـ حسب المرام ـ فأنها ( وحسب رأيي ) من اكبر مهازل الوزارة في ظل ذلك النظام، وان كان من المؤكد ان هناك نسخا من ذلك الكتاب الذي يحتوي تفاصيلها تجدها عزيزي القارئ تتركز في محاور ثلاثة هي :- 1 . جامعة بغداد . 2 . التدريسيون من خريجي الدول الاشتراكية . 3 . التدريسيون من خريجي الجامعات العراقية . لقد كانت تلك الورقة تشير الى ان اصل البلاء في التعليم العالي وتخلفه هو جامعة بغداد ( فتصور ذلك ) لأن ضخامتها وتوزعها على أنحاء مختلفة في بغداد يجعلها متخلفة في الاداء ، ولا اعلم ما علاقة هذا بذاك ؟ ولماذا نسى واضع الورقة أن جامعة بغداد أدارت جامعة الموصل والبصرة قبل تأسيسهما ؟ وأدارت لاحقاً ـ لفترة ـ جامعة السليمانية ، وولدت من رحمها مؤسسة البحث العلمي وهيئة المعاهد الفنية ( كما كانت تسمى آنذاك ) . أما مسألة التدريسيين خريجي الدول الاشتراكية ، وعدَ وجود نسبة كبيرة منهم في الجامعات العراقية أحد أسباب هبوط كفاءة التعليم ، فلم تأتي هذه الورقة بجديد ، بل سارت على نهج ذلك النظام ، وكأن الوزارة نفسها لم تكن هي التي بعثت اغلب هؤلاء الذين تعزو الورقة ضعف التعليم العالي إليهم إلى تلك البلدان ، أو أنها لم تقبل ايدي مسؤولي تلك البلدان لعقد الاتفاقيات، الا اذا كانت تلك الاتفاقيات هدفها السفرات وقضاء اجمل الأوقات في مصايف أو مشاتي تلك البلدان . أما السبب الثالث الذي ذكرته الورقة فلم يكن الا مثيراً للعجب والاستغراب، فبدلاً من ان تشيد الورقة بجهود الجامعات العراقية ورصانتها وكفاءة اساتذتها وجهودهم في الاشراف وتخرج حملة شهادة الماجستير والدكتوراه لرفد الجامعات والمؤسسات وبأعلى الكفاءات ، عدت كل خريجيها من اوطأ المستويات، وبما يثير أكثر العجب والاستغراب أن أغلب معدي الورقة قد ساهموا وشاركوا في الاشراف وقبضوا اجور المحاضرات والمكافآت على جهودهم المضنية في الاشراف ، إلا إنهم اتهموا الخريجين بضعف المستوى في تلك الورقة البائسة ، وإنهم من احد اسباب هبوط كفاءة الأداء عند ذاك . ولا أخفيك عزيزي القارئ ان اغلب من دعي للمشاركة ( كما سمعت ) قد صفق لذلك الهراء “ مع الأسف “ لان من لا يصفق سوف يلحق به ما يلحق من شر وبلاء ، كما ولا اخفيك عزيزي القارئ اني حمدت ربي كثيراً الذي انقذني من شر واضع تلك الورقة ، الذي كاد ان يقتلني خنقاً في إحدى ليالي آب اللهاب لأني لم اصفق لورقته ووجهت لها الكثير من الانتقاد ، وقد علمت أن الوزير الذي امضى ثلاث سنوات ولم ينجز الا تلك الورقة ( التي امر الوزير الذي تلاه ان ترمى في صندوق القمامة كالأزبال ) عندما عرضها على رئيس او قائد النظام وسأله إن أردنا تنفيذها فكم نحتاج من الاموال ؟ اجابه الوزير بأنه لا يعلم فطلب منه رئيس ذلك النظام ان يحسب الحساب ويجلب الارقام فاستلمت أمراً بأعداد الحساب ولكنني بطبيعة الحال لا أستطيع الاعتذار فأجهدت نفسي اسبوعين من الزمان بعمل متواصل ليل نهار لتحديد المقدار ولكن ما خصص لتنفيذها لم يكن ولا حتى افلاس( جمع فلس) . رابعاً / خطة اصلاح التعليم العالي سنة 1992 بعد فرض الحصار على ابناء هذا الشعب الفقراء ، وبعد أن بدأ التدريسيون يفكرون بالهروب، وبعد ظهور الحاجة لفتح جامعات جديدة ، وتوقف قبول الطلبة المبعوثين خارج العراق ، ولحصول كثير من الاخفاقات في مسيرة التعليم العالي ـ وقد تكون هناك اسباب اخرى لا يعلمها الا الله ـ عقدت تلك الندوة الشهيرة والخاصة بأصلاح التعليم العالي والبحث العلمي ، والتي ترأس جميع جلساتها رئيس ذلك النظام ، ودار فيها ما دار من كلام في اصلاح التعليم العالي في العراق ، ورغم سخونة الحوارات وتحمس المشاركين للأصلاح وتحدي الحصار ، ورغم ما أوصى به رئيس ذلك النظام بضرورة رعاية اعضاء هيئة التدريس والاغداق عليهم بالرواتب والمخصصات وغيرها من المكرمات ، إلا أن ما حصل هو منحهم حفنة من الدنانير التي كانت قيمتها تتطاير في الهواء ( أو أنها أشبه ببيض اللقلق الذي يباع للأطفال ) اما بقية ما اوصى به من أغداق ، فلم يعر احد له بال واعتقد انه لو قال لهم اجمعوا اعضاء هيئة التدريس وكبلوهم بالأغلال لنفذوا ذلك بلحظات . لم تسفر تلك الندوة عن نتائج ايجابية الا التوسع في الدراسات العليا للتعويض عن البعثات ، ورغم المعارضة الشديدة لكن اعتمد هذا المساق لتحمس رئيس النظام له ، ولكن هل استفادت الجامعات العراقية من مخرجات هذا التوسع ؟ وهل تحقق له ما كان يجب من إمكانات ؟ إني اعتقد أن ما تحقق من نجاح كان بفضل جهود التدريسيين والطلاب اولاً ، وللجامعات نفسها وبموازنتها الشحيحة ثانياً، ولكن كان اغلب الخريجين من حملة الماجستير والدكتوراه ـ ومنهم عدد لا يستهان به من النساء ـ قد اعد العدة والحساب للسفر في اول فرصة ممكنة للعمل في دول الجوار . خامساً / المؤتمرات والندوات المعقودة للفترة من 1992 ولغاية الوقت الحاضر عندما كنت اعمل في احدى الجامعات خارج العراق ـ حتى قبل انهيار النظام بشهر من الزمان حيث عدت للعراق لمشاركة الاهل والاقرباء في قد ما يصيبهم من بلاء ـ سمعت أن مؤتمراً قد عقد في احدى السنوات ولكنه لم يعن التعليم العالي والبحث العلمي على الخروج مما هو عليه من حال ، أما ما جلب له من اتفاقيات النهب مقابل الغذاء ، أو بفضل تهريب الاموال فأن اغلبه من أسوأ المناشئ والماركات، وكان المسؤولون عن ذلك الاستيراد والتسويق او طرائق التجارة والمفاوضات ثم ابرام الاتفاقيات قليلو الخبرة والاختصاص ، وهذا هو السبب الرئيس لعدم كفاءة الاجهزة والالات والمواد التي وردت للجامعات والهيئات بموجب تلك الاتفاقيات ، ولا أتهم احداً بسبب اخر من الاسباب . أما بعد انهيار النظام وقيام نظام آخر ، فقد عقدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مؤتمراً سنة 2004 واستطيع أن أؤكد جازماً انه كان كلاماً في كلام ، لان الجامعات والهيئات وكلياتها واقسامها العلمية بقيت بحاجة إلى كل شئ خاصة بعد ما أصابها من خراب وان ما حصلت عليه من اموال ومساعدات أعانها على الوقوف على يديها ـ وليس على رجليها ـ بعد أن كانت تقف على راسها في سنوات ذلك النظام المنهار . هذا وان طلبت مني عزيزي القارئ إيضاح ماذا حصل بعد ذلك من جهود ومحاولات لاصلاح التعليم العالي والبحث العلمي في العراق فأني سوف اذكرها ضمن مقترحاتي في الإصلاح ، التي تحتاج لتنفيذها عقدا من الزمان ـ في أقل تقدير ـ وليس لأسابيع أو أشهر من الزمان ، لأن ذلك ضرب من الخيال ، لذلك أرى أننا إن رغبنا في أصلاح التعليم العالي والبحث العلمي فينبغي ان نعمل بالاتي :- 1. اختيار القيادات العلمية والادارية المسؤولة في ديوان الوزارة والجامعات والهيئات إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي ـ وكما تحدثت في المقدمة ـ يتطلب أن يكون من يكفل له قيادة التعليم العالي في ديوان الوزارة ، أو في الجامعات والهيئات والكليات والأقسام العلمية ، ممن هم في اعلى المستويات والرتب العلمية ـ وكما ذكرت ذلك بصورة مفصلة في مقالتي الموسومة ( أستقلالية الجامعات العراقية بين الواقع والطموح ) ـ وبدون ذلك سيحصل لبس او أرتباك لقلة تجربة من يتولون ادارة التعليم العالي ، فأن لم يكونوا من ارقى المستويات ـ بالنزاهة والعلم والانضباط والخبرة المتكاملة بالقانون والادارة والمال ـ فلا فائدة من اسناد هذه المناصب لأي منهم ، سواء أكان ذلك بالانتخابات الحزبية ، أم المحاصصات ، أو المخاصصات ، أو أي نوع من انواع الولاءات ، لأن على من ينبغي أن يشغل مثل هذه المناصب أن يكون متكامل الكفاءات وليس الولاءات او غيرها ، كما حدث في عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات ، حيث انيطت بالحزبيين قليلي الخبرة والكفاءة . وما حصل بعد انهيار النظام فأغلب هذه المناصب في قيادة التعليم العالي والبحث العلمي سلمت على وفق انتخابات لا قانون لها ولا أساس ولا أي باب، وفاز بها غير قليل ممن لا خبرة ولا مؤهلات ، ولا زالت أغلب التعيينات لا تعتمد الشروط القانونية ولا الاعراف الجامعية ، وما دواء هذه المشكلة الا بأعتماد مبادئ الانتخاب التي سطرت في قانون التعليم العالي والبحث العلمي الموضوع أمام انظار مجلس شورى الدولة لبيان الرأي وليأخذ دوره للتشريع في مجلس النواب .
2. مستوى الطلبة مخرجات وزارة التربية ومدخلات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ان مخرجات قطاع التربية من الطلبة هي نفسها مدخلات التعليم العالي ، لذلك لا يمكن ان تكون مخرجات التعليم العالي عالية المستوى حين تكون مخرجات التربية هابطة المستوى والعكس بالعكس . وهذا يعني أن يرتفع مستوى التربية في المدارس الابتدائية والمدارس الاعدادية لأفضل مستوى ممكن ، وان يدخل الطلبة الجامعة وقد استوعبوا دروسهم في الاعدادية بأفضل المستويات ، وان يكون أستعدادهم واهتمامهم بالدراسة الجامعية وأختيارهم مناسبا لمؤهلاتهم ، وان يعلموا أنهم في الجامعة في حرم آمن ، وان الجامعة أخت الجامع ، لذا يجب أن يتصفوا بأعلى مستويات الأخلاق ، وان ينكبوا على الدرس والبحث بالعقلية الجامعية المتميزة ، لا بالتلقين والحفظ دون التفكير والتأمل والمناقشة والحوار مع أساتذته وبكل ادب واحترام ، وبعكسه لا يمكن ان يكون هناك استعداد علمي مناسب للدراسة الجامعية ، وهو ما سوف يؤثر على مستوى المخرجات من الجامعات أو الهيئات . 3. أعضاء هيئة التدريس ومستواهم العلمي لا شك ان هناك عوامل كثيرة أثرت على مستوى هذه الهيئات منها شمول البعثات والزمالات والاجازات الدراسية غير المؤهلين لها بمستوى عال ، ولثلاث عقود مضت ، ومثل ذلك يقال عن بعض من قبلوا في الدراسات العليا داخل العراق ولم يكونوا مؤهلين لها، لذلك يقتضي الامر أن نرفع مستوى أعضاء هيئة التدريس لأعلى مستوى ممكن ، من خلال الدورات التطويرية داخل العراق وخارجه ، وتهيئة السبل المختلفة التي تساعد على رفع مستوياتهم العلمية والتعليمية، فضلاً عن ان يكون أعداد التدريسيين موافقاً للنسب العلمية المعتمدة عالمياً ، والتي أصبحت من البديهيات ، وهي التي تؤكد على أن تكون نسبة التدريسيين الى الطلبة (1/20 ) في الدراسات الانسانية و ( 1/10 ) في الدراسات العلمية والتطبيقية و ( 1/6 ) في العلوم التطبيقية، وهذا ما يتطلب ان يتوفر في جامعاتنا الاتي :- 1. التدريسيون الموافقون لتلك النسب . ومن المعروف أن جامعتنا كانت لحد سنة 2005 تعاني من قلة التدريسيين الى درجة كبيرة ، وان اغلب التدريسيين الذين على الملاك كانوا يعانون كثيراً من كثرة المحاضرات الاضافية يكلفون بها ، أو التي يرغبون تدريسها لأسباب مختلفة ، في حين كان هناك الآلاف من حملة شهادة الدكتوراه والماجستير دون عمل ، على الرغم من الحاجة الماسة لخدماتهم في الجامعات والهيئات . إلا أن قيام وزارة التعليم العالي سنة 2005 و2006 بحملتها الواسعة والموفقة في التعيينات خفف كثيراً من قلة اعضاء هيئة التدريس ، وهو الأمر الذي يتطلب أن ينظر له من زاوية الحاجة المستقبلية لهم ، بهدف رفع مستوى التعليم العالي لأفضل صورة ممكنة ، من خلال إجراء الآتي :- أولا : التوسع في الدراسات العليا مع ضمان رصانتها لأرقى مقام . ثانياً : التوسع في البعثات والزمالات الدراسية والاجازات الدراسية خارج العراق خصوصاً ، والإسراع في تنفيذ البرنامج القائم الان . ثالثاً : تحديد احتياجات التعليم العالي بصورة مستمرة ، وحسب التوسعات الحاصلة او التي تحصل فيه ، لتكون مخرجات تلك الدراسات قادرة على توفير التدريسيين المناسبين بصورة مستمرة . رابعاً : الاخذ بنظر الاعتبار احتياجات القطاعات الاقتصادية والخدمية الحكومية والخاصة في القطر لحملة الشهادات العليا ن والعمل على توفيرها . ولا ننسى ضرورة سد الشواغر في الملاكات العلمية بجامعاتنا بالأساتذة الكبار من الجامعات العربية والأجنبية ، تعيينا أو استضافة كأساتذة زائرين ، للإفادة من خبراتهم وعلو مستوياتهم العلمية ، واطلاع التدريسيين العراقيين على تلك الخبرات . 4. الفنيون والاداريون تخطئ الكثير من قيادات التعليم العالي والبحث العلمي في العراق عندما يعتقد القائمون عليها أن لا أهمية لأن يكون العاملون في ديوان الوزارة او في الجامعات والكليات والمعاهد ودواوينها من الفنيين والاداريين . وقد كان لهذا الاعتقاد اثره السلبي جداً في هبوط كفاءة أداء هذه المؤسسات ، فهي التي ترفد جميع القطاعات الاقتصادية بالمؤهلين من حملة الشهادات ، فهل يعقل أن تُدار أعمالها بمن لايمتلكون القدرة والتأهيل الكافيين ، في حين لايجد الأوائل من خريجيها مكانا للتعيين فيها في حين تعج بفنيين وإداريين بمستويات هابطة في التأهيل والأداء . إن ما قامت به وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في السنتين الاخيريتين بتعيين العشرة الأوائل من الخريجين ، قد حقق وسيحقق رفع كفاءة اداء الجامعات للأعمال الفنية والإدارية ، وسيكون في الوقت نفسه خير رافد للدراسات العليا في الداخل والبعثات خارج العراق مستقبلاً. 5.الاستقلالية العلمية والادارية والمالية يخطئ من يظن ان الجامعات والهيئات العراقية ليست لديها استقلالية علمية او ادارية او مالية، أو لم تكن قوانينها وانظمتها تتضمن الأحكام الكفيلة بتحقيق تلك الاستقلالية . ولو نظرنا إلى قانون التعليم العالي والبحث العلمي النافذ ، أو القانون الذي ينتظر دوره للتشريع ، نجد ذلك واضحاً بصورة لا لبس عليها ولا غبار، وقد تناولت ذلك بالتفصيل في مقالتي الموسومة ( استقلالية الجامعات العراقية بين الواقع والطموح ) حيث كانت تتضمن التفاصيل والمعلومات والمقترحات كاملة في هذا الموضوع ، ولكني أعود وأؤكد أن رفع مستوى التعليم العالي والبحث العلمي ان ترصن هذه الاستقلالية ويمارسها الذين منحت لهم ولا يكتفون فقط المناداة بمنحها ، فهي موجودة واضحة في القوانين ، إلا إني اقر بأن بقاء الجامعات والهيئات بموازنة مالية سنوية شحيحة سيكون له أسوأ الآثار على الأداء ، وأسوأ الآثار على حقيقة استقلالية هذه الجامعات والهيئات العلمية والادارية ، وليس المالية فحسب . 6.استراتيجية الوزارة في المستقبل فيما عدا ما يتطلب تحقيقه من اهداف استراتيجية في قانون التعليم العالي والبحث العلمي إلا هناك ما يتطلب سرعة الانجاز :- 1- الاستمرار في استكمال الملاكات العلمية من التدريسيين حملة شهادة الدكتوراه . 2- الاستمرار بالتخطيط والتنفيذ لفتح جامعات وكليات ومعاهد حسب احتياجات المحافظات ومناطق مختلفة في العراق . 3- الاستمرار في اطلاق البعثات العلمية خارج العراق للاختصاصات عالية التخصص والمجالات . 4- الاستمرار في فتح الدراسات العليا لمستويات الدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه، وترصين مستواها بما يرفد الحاجة اليها في التعليم العالي وقطاعات الدولة المختلفة الاخرى . 5- العمل على تحسين وزيادة ما يخصص في موازنة الدولة من تخصيصات استثمارية لتوفير المباني والمنشآت الجديدة التي تحتاجها الجامعات والهيئات واعادة تأهيل القديم منها . 6- العمل على أنهاء معاناة الجامعات والهيئات من شحة التخصيصات المالية في الموازنات التشغيلية ( عدا الرواتب ) التي باتت تؤثر بشكل سلبي على مسيرة التعليم العالي والبحث العلمي . هذا وفي ادناه احتياجات الجامعات والهيئات التابعة للوزارة والتي ينبغي توفيرها عن طريق تخصيص الاموال في موازنة الدولة .
7. تحفيز وتشجيع الأنشطة العلمية والجامعية الأخرى إن التعليم العالي والبحث العلمي لا تقتصر أنشطته على ما ذكرنا في الفقرات السابقة أعلاه، بل لإصلاحه بصورة شاملة ما ذكرنا في الفقرات السابقة أعلاه، لكن ينبغي عدم إغفال تحفيز الأنشطة العلمية والجامعية الأخرى ، في تخصيص الأموال في موازنات الجامعات والهيئات اللازمة لتنفيذها فضلاً عن تكليف مسئولين علميين وإداريين أكفاء ومتميزين للإشراف على التنفيذ ، وإشراك جميع التدريسيين في الجامعات والهيئات لتفعيلها ، ويمكن ذكرها بتركيز كالآتي :- 1- وجود تعليمات مناسبة لاستضافة الأساتذة والخبراء الزائرين من الجامعات الرصينة وصرف الأجور والمكافآت والاستضافة اللائقة . 2- تشجيع التفرغ العلمي داخل العراق وخارجه ، وشموله بمخصصات التفرغ الجامعي ، وكذلك أجور السفر من والى الدولة التي يجري بها التفرغ الجامعي . 3- إصدار ـ ودعم إصدار ـ المجلات العلمية المتخصصة الرصينة ، والعمل على إدامة إصدارها وبصورة مستمرة . 4- تحقيق آلية الترابط والتنسيق بين المؤسسات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية العامة والخاصة في إجراء البحوث العلمية من قبل أعضاء هيئة التدريس والفنيين فيها . 5- إقامة المؤتمرات والندوات العلمية المتخصصة في الجامعات والكليات والمراكز العلمية وتوفير التخصيصات المالية اللازمة . 6- تشجيع الأنشطة الرياضية والفنية والمسرحية وغيرها ، وذلك لانعكاساتها المهمة على الأجواء الطلابية ، والتخفيف من الضغوط العلمية والدراسية والاجتماعية عليهم . 7- توثيق الروابط العلمية والأكاديمية بين الجامعات العالمية الرصينة والجامعات والهيئات العراقية وعقد اللقاءات والندوات المشتركة لتأمين الاستفادة من التقدم العلمي المتحقق لديها . هذا ما وددت قوله باختصار ونرجو من الله ان يهدي الجميع لتحسين أحوال التعليم العالي في العراق الذي هو محط اهتمام جميع مسؤولي أبناء العراق ، ولا أعلم ما هو السر في عدم تأمين الأموال اللازمة له ليرقى لأعلى مقام ، رغم وفرة الأموال .
أ. د. ماهر موسى العبيدي أكاديمي عراقي
اكتب تعليقا |
||
الرئيسية |
السيرة الذاتية |
مقالات |
مؤلفات |
البوم الصور |
رسائلكم |
رثاء |
ط§طھطµظ„ ط¨ظ†ط§
جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستاذ الدكتور ماهر العبيدي ©2009 |
استاذنا الفاضل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد نحن فريق عمل نكتب ورقة ( white paper) تتعلق باصلاح التعليم العالي ولكن فيمايخص الفقرة(1) اختيار القيادات في الوزارة والجامعات والكليات ، اعتقد ان هذه الفقرة لم ولن ولن يتم تجاوزها لطالما زحفت موجة المحاصصة والطائفية على جسم التعليم العالي.
أما فيما يخص آخر سطر في مقالتكم التي أنارت لنا طريق المسير وهو(ولا أعلم ما هو السر في عدم تأمين الأموال اللازمة له ليرقى لأعلى مقام ، رغم وفرة الأموال ) فأعتقد الجواب واضح وهو لو كان في التعليم مقاولات لتكالب عليهاالمقاولون
نسأل الله أن يسدد خطى من يخلص في اصلاح التعليم العالي في العراق
ودمتم
Comment بواسطة أ.د. صالح القرعاوي — August 28, 2011 @ 11:52 pm