اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

الكفاءات المصدرة والكفاءات المستوردة (وجهة نظر خاصة)

 

أعود مرة أخرى في مقالتي هذه للحديث عن الكفاءات المصدرة والكفاءات المستوردة، والذي دفعني إلى كتابتها ما شاهدته في فضائيات التلفاز عراقية أو عربية  ندوات وحلقات خاصة يدار الحديث فيها عن الكفاءات العراقية المهاجرة وكارثة هجرتها والخراب الذي اصاب العراق بسببها وكأن العراق هو البلد الوحيد الذي يهاجر من كفائاته ، أما الجزء الثاني من هذه الخاطرة فهو يتعلق بالكفاءات المستوردة الذي لا كلام ولا حديث عنها وسبب ذلك كما أرى واعتقد – مع احترامي للمناظرين من تدريسيين أو خبراء أومثقفين-  أنهم يتداولون هذا  الامر بصورة غير موضوعية، كما أن أغلبهم لم يكونوا قد تعمقوا في دراسة هذه  المشكلة وأسبابها وأبعادها ولم يمارسوا أعمالاً علمية وإدارية متخصصة في الجامعات أو في دوائر التعليم العالي أو غيرها لانها ليست فقط هي المعنية بذلك ليقف بصورة دقيقة على واقع هجرة الكفاءات العراقية، هذا من جانب أما الجانب الآخر فإن أياً منهم لم يتطرق الى أهمية وضرورة استيراد الكفاءات العربية والاجنبية – او استخدام-  المتميزة للتعويض بها عن الكفاءات المهاجرة أو للإفادة منها في توظيف كفاءتها وخبراتها مؤسساتنا الجامعية والانتاجية او غيرهما من مؤسسات الدولة وحتى القطاع الخاص الذي هو في حاجة ماسة اليها.

نعود الى عنوان الخاطرة والحديث عن الكفاءات المهاجرة، أولاً: اني أرى أن من يرغب في العمل في بلاد اخرى أو الهجرة إليها وسواء تم ذلك بشروط الاعارة أم الاجازة من دون راتب أم الاستقالة أم الاحالة إلى التقاعد ومن ثم المغادرة او العمل والهجرة من دون إجازة او استقالة وعدّته مؤسسته العامل فيها تاركاً العمل فهو لم يرتكب جنحة او جناية ولا خيانة بل هو يمارس اقل حقوقه التي ضمنتها له  الشرائع السماوية ومبادئ حقوق الانسان والدستور وقانونا الخدمة المدنية منها و الجامعية او غيرها فهو في كل الاحوال يكون قد اوفى بالتزاماته التعاقدية والمادية وغيرها من الالتزامات وتوكل على الله طلباً لرزق افضل أو لضمان عيشة آمنة أو  لمكان آمن فما هي المشكلة في الامر ما دامت هناك فرصة ومورداً أفضل في بلد آخر لا يستطيع الحصول عليها في بلده وديننا الحنيف يأمرنا بطلب الرزق الافضل ونسعى في مناكبها، وقد التقيت في سنة 1980 بأحد الاساتذة الاميركان وكان أستاذاً زائراً في جامعة ووج في مدينة ووج في بولونيا وقد سأله أحد الاساتذة البولون في القسم الذي اكملت اطروحتي فيه لماذا حصلت يا أستاذ على الجنسيه الاسترالية والكندية والالمانية والبريطانية والسويدية فضلاً عن جنسيتك الاصلية الامريكية؟ أجابه قائلاً: أينما يكون هناك خبز يكون هناك وطن ، فتذكرت كلمة الامام علي ( عليه السلام) :

وطن بلا مال غربة                والمال في الغربة وطن

فإذنً جميع الاديان السماوية والاعراف الاجتماعية والقوانين الاساسية الوضعية تكفل هذا الحق ولا جدال في ذلك.

ما ذكرته سابقاً يمثل وجهاً من وجوه المشكلة، ويقتضي الأمر البحث عن الوجه الآخر للمشكلة فإذا عرفنا أن الهجرة الى بلد آخر هي حق من حقوق الانسان والمواطنة طلباً للرزق والآمن خاصة ونحن كعرب ومسلمين لدينا أفضل مثل عن أسباب الهجرة وهي هجرة نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما حققت من موطن آمن للمسلمين حققت ثبات الدين الاسلامي وانتشاره، فنعود ونقول: إننا ينبغي أن ننظر الى الامور نظرة موضوعية ومنطقية، فلابد من أن نشخّص مشاكل الهجرة وأسبابها وكيفية حلها، فتوطيد الأمن والحماية لجميع أبناء الشعب ومنهم كفاءاته هو جزء من الحل وتوافر الرزق الحلال والراتب المناسب للعاملين في الدولة هو حل آخر للمشكلة ومن ثم أن تهيأت سبل ووسائل العمل من أجهزة ودورات وكتب ونشريات ووسائل الاتصال بأرخص الاسعار هو جزء من المشكلة، والسماح لكل مواطن وفي مقدمتهم ذوو الكفاءات  في السفر والعودة او الحل والترحال من دون طوابير الانتظار في دوائر السفر او نقاط الحدود والمطارات هو حل آخر للمشكلة كما أن وجود مؤسسات حكومية ومختلطة وخاصة تعمل على توفير العمل والخدمات لكل ابناء الشعب وفي مقدمتهم الكفاءات وليس الانتظار لعشرات السنين – كمواعيد عرقوب-   هو حل آخر للمشكلة، وهناك الكثير الكثير من هذه الأمثلة التي لا أريد أن أطيل في ذكرها ولكن بقي أن أذكر شيئين مهمين وهما متى يشعر هذا الكفؤ بأن البلد سيديره أكفاء ورجال مؤهلون لمواقع او مناصب مناسبة لشهاداتهم وخبراتهم وان تحقق فهذا حل آخر مهم للمشكلة، أما الأخر والأهم منها فمتى ما يشعر الكفوء بأنه سيعيش في بلد شعبه متعلم ومثقف متآخ ومتحاب بين جميع أقوامه وطوائفه وعشائره، وعوائله متحدة في السراء والضراء يحترم صغيرهم كبيرهم وكبيرهم صغيرهم، تسودهم المحبة والسلام فهذا حل مهم للمشكلة، هذا ما أعتقده من أسباب ومعالجات هجرة الكفاءات التي هي ستبقى قائمة أبداً؛ كونها من سنن الحياة المهمة منذ أقدم الأزمان، والانسان حر فيما يختار وعليه الإيفاء بالإلتزامات عند اتخاذه اي قرار، ونحن لا يمكننا الحد من هذه الظاهرة التي إن كانت لها سلبيات فهي في الوقت نفسه لها الكثير من الايجابيات. إن الافادة التامة من الكفاءات وابقائها في البلاد لا تحل في إقامة ندوة او في مقال يقال وإنما لا بد من القيام بالكثير من الاجراءات والقرارات تعالج وفقا لقوانين وأنظمة وتعليمات مثبتة وصحيحة، إذ نحتاج الى علم وثقافة لتؤثر في أجهزة الدولة وفي مسؤوليها من الاعلى إلى الادنى في التعامل مع هذه الكفاءات بأي مستوى كان،  وتوظيف جميع الطاقات المتميزة والكفوءة والمنتجة لخدمة البلاد ، إن الكثير من الكفاءات العالية الاختصاص هاجرت ليس بسبب الحاجة إلى المال بل بسبب موقف خاطئ أو إجراء غير لائق من هذا المسؤول أو ذاك، فبعضهم قرر الهجرة بعدما لحقته إهانة أو إذلال في هذا المعسكر أو ذاك، متجرد من الاحترام او التقدير لعلم أو كرامة انسان، وبعضهم الآخر هاجر لما لاقاه من استخفاف بعلمه وكفاءته من مسؤول حصل على منصبه بالتملق ومسح الاكتاف، وغيرها الكثير من الأسباب المعنوية والعلمية وآخرها الحاجة إلى المال، الذي هو آخرها وليس أولها وهذا ما أعتقده وأراه .

أعود الى مشكلة أخرى وهي مشكلة الكفاءات المستوردة التي لم تحظ بأي انتباه أو دراسة أو اهتمام سوى ما قدمته جامعة بغداد، مقترح تعليمات خاص بدعوة الاساتذة الزائرين والذي أيدته بقوة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ولكنها ما زالت تنتظر التشريع إن لم ترفض لهذا السبب أو ذاك . إننا لو عدنا الى مشكلة الكفاءات المهاجرة وتمعنا قليلاً في كيفية حصولها والجهات المستقبلة والجاذبة والمشجعة لها والمستعدة للبذل عليها؛ لانها ثمار ناضجة لا يحصل عليها الا بعد عشرات السنين من التربية والتعليم والخبرة والمران لوجدنا أن الدول المتقدمة والجامعات الرصينة والمؤسسات المتطورة والشركات العملاقة في اميركا وأوربا هي في مقدمة الدول المستقبلة لهم؛ لعلمهم بجدوى وفائدة هذه الكفاءات واقتصادية استخدامها مهما بذلت عليها من أموال ، وهذا الأمر غير خاف على كثير من المسؤولين الاكفاء في العراق ولطالما استورد العراق أساتذة مصريين ولبنانيين وسوريين وأجانب آخرين وأطباء وفنيين وان كان الاساتذة في الكليات أكثرهم كان في حقبة الاربعينات والخمسينيات ومن ثم أعداد كبيرة من الاساتذة العرب والمصريين منهم خصوصاً والاجانب في الجامعات في مرحلة الستينيات ومن ثم الطلب الكبير لالاف الاساتذة والمهندسين والخبراء وكلهم أصحاب كفاءات مستوردة غير عراقية فرضت الحاجة واعمال التنمية الاقتصادية وغيرها من المتغيرات التي حصلت بسبب توافر الاموال في السبعينيات  فتح الباب على مصراعيه لاستيراد الكفاءات والاغداق عليهم بالرواتب المتميزة وغيرها من الامتيازات فهل هذه الخطوة صحيحة في أننا نبقى نستورد الكفاءات او نشجع هجرة الكفاءات من مختلف الاقطار إلينا ونقر بأن ذلك حلالاً لكن هجرة كفاءاتنا حرام، أرى أن واقع الحال يفرض علينا أن نقر بأن الانسان حر ومن حقه أن يعمل في أي بلد كان شرط أن يكون قد أوفى بالالتزامات التي تفرضها عليه تعاقداته وواجباته تجاه الوطن الذي أغدق على تربيته وتعليمه بالاموال .

إن مشكلة الكفاءات المهاجرة يمكن أن تخفف منها الكفاءات المستوردة، واننا في كل الاحوال خاصة مؤسساتنا الجامعية وهيئات التعليم والبحوث العليا والمؤسسات  والشركات الصناعية إن استقرت أوضاعها فهي ستكون بأمس الحاجة الى استيراد أو استقدام أو التعاقد أو تشغيل أو استضافة الاساتذة والخبراء غير العراقيين من العرب والاجانب ؛ لتحقيق هدفين مهمين اساسين في الوقت نفسه اولهما لحل مشكلة هجرة الكفاءات و التعويض عنها،  والثاني منهما هو ضرورة الافادة من ذوي الكفاءات المتميزة والعميقة في التخصص للتدريسيين في الجامعات والهيئات ومن ثم الافادة منها في مختلف التخصصات والخبرات لرفع مستوى الاداء ولزيادة اطلاع وخبرة خبراء وكفاءات العراق.  

 

أ. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

        

»

اكتب تعليقا