اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

بيروقراط وتكنوقراط وبوكقراط

لم يعد أحد يملك حدا ادنى أو أعلى من الثقافة والمعلومات من لا يعرف معنى كلمة البيروقراط والتكنوقراط وأرى ان الجميع يعرفون مصطلح بيروقراط يعني طبقة الإداريين المتخصصين ولم تكن طبقة الإداريين وليدة هذا اليوم أو البارحة بل هي موجودة منذ قيام أقدم الحضارات كالبابلية أو الآشورية أو الفرعونية إذ كان لدى الملك أو الفرعون الكثير من الخبراء الإداريين يؤكد ذلك طلب النبي يوسف (عليه السلام) من الفرعون أن يجعله أميناً على خزائنه فهو القوي الأمين.

إن طبقة الإداريين في أي مجتمع أو دولة أو حكومة لها أهميتها الكبيرة في إدارة الأعمال وتسهيل تنفيذ القرارات ومعالجة متطلبات القانون والنظام وتسييل الأموال لتسيير الاقتصاد وخطط الدولة واجراءاتها وتشير جميع المؤسسات والكتب التأريخية  إلى دور هذه الطبقة المتميز في إدارة شؤون الدولة والمجتمع ومن دونهم لا يمكن اتخاذ وتنفيذ أي قرار أو إجراء، وصحيح إن الكثير من الناس أصبحوا يوجهون الانتفاد إلى هذه الطبقة باعتبارها أساس البلاء في إجراءات الدولة المثيرة للتذمر والانزعاج.

لكن في الحقيقة ان البيروقراطية هي نشاط طبقة البيروقراط في الإدارة والاقتصاد لأية حكومة في دول العالم على الإطلاق ولكني أقول: إن كفاءة البيروقراطية هي أصل المشكلة أو الإشكال فيمكن أن يتصف أداء طبقة البيروقراط في أي بلد كان بالبطء والرتابة في الأداء فيحصل لدى أبناء الشعب التذمر والشكوى من هذا التردي في الأداء وتأخر الأعمال.

قال لي صاحبي الألماني في أواسط السبعينيات عليك النهوض مبكراً لإنجاز معاملات السيارة التي اشتريتها حتى تستطيع العودة بسرعة من حيث أتيت، فسألته لماذا؟ قال: هنا في ألمانيا توجد بيروقراطية في دوائرنا الحكومية ، فسألته: وهل في ألمانيا وهي بلد متقدم بيروقراطية ؟! أجابني بان في ألمانيا بيروقراطية حتى الرأس ، المهم استيقظنا مبكراً وراجعنا دائرة الاختصاص وأنجزت المعاملة بعشرين دقيقة بالتمام والكمال تعجبت من هذه البيروقراطية التي أشار اليها صاحبي حتى الرأس ، أما في بولونيا الاشتراكية فقد استغرقت الإجراءات المشابهة لتسجيل السيارة أسبوعاً كاملاً، وعند ذلك فهمت أن هناك فروقاً شاسعة بين بيروقراطية هذا البلد أو ذاك، أما في العراق فقد استغرقت معاملة التسجيل ثلاثة أشهر بالتمام والكمال وعندها علمت بأن للبيروقراطية أنواعاً أزعجها بيروقراطية العراق لان ليس قياسها حتى الرأس بل فاقت كل المقاسات وان كانت الصورة التي أنقلها لحضرتك عزيزي القارئ هي في بداية عقد الثمانيينات من القرن الماضي، فتصور الآن كم هي أصبحت بطيئة في إنجاز المعاملات وتأخير شؤون الدولة وأبناء الشعب أقوياء كانوا أم ضعفاء.

لم يكن الجهاز الإداري للدولة في العراق أو طبقة البيروقراط حتى بداية السبعينيات بهذا الدرجة من الرتابة وضعف الكفاءة وتدني مستوى الأداء وما يسود فيه من فساد إداري وسوء تصرف في الأموال العامة فضلاً عن التواطؤ مع ضعاف النفوس والسراق المتمرسين في التعامل مع هذا الإداري او المسؤول المشهود له بالاحتيال والاستغلال، هذا جزء من طبقة  البيروقراط في العراق .

اما طبقة التكنوقراط فهي تعني طبقة التقنيين والفنيين من المهندسين والخبراء في التقنية والعلوم ، وهذه الطبقة كانت موجودة منذ قديم الزمان ولم تكن الممالك أو الدويلات في غنى عنها بل نمت هذه الطبقة بفعل الحاجة إلى زيادة الإنتاج بالاهتداء إلى الفأس أو المحراث أو أهمية النقل والتوزيع بالاهتداء للعجلة والعربة أو الأسوار لصد الغزوات وهكذا استمرت هذه الطبقة في تقديم أفضل المخترعات والمنتجات التي غيرت عيش وحياة الإنسان في مختلف المجالات ، وفي عصرنا الحديث وفي العالم المتقدم على نحو خاص نشاهد أن هاتين الطبقتين اصبحتا متوافقتين في العمل والأداء إذ لم يوفق البيروقراطيون في إدارة الاقتصاد ولم يجد التكنوقراطيون ما يدفعهم للاختراع والإبداع إن لم توظف المخترعات وتدار بأحسن ما يرام ، وهكذا اعتقد أن دول العالم المتقدم أصبحت فيها طبقتا البيروقراط والتكنوقراط حزمة أو لحمة واحدة مترابطة لا يمكن ان تفصل أو تعزل إحداهما عن الأخرى وإن حصل ذلك عندئذ يهبط مستوى الإدارة والإنتاج ويختل الاقتصاد وتتعطل الصناعة والزراعة وغيرها من القطاعات ، لذلك -وكما أرى- فإن واحداً من أهم أسباب التقدم في بلدان العالم السائر دائماً إلى الأمام هو تعاون وتآزر هاتين الطبقتين بصورة متوافقة ومتوازنة ومن دون انفصام، ذلك لأن البيروقراطيين يعملون دائماً لتسهيل أمور التكنوقراطيين ، والتكنوقراطيون يحتاجون دائماً إلى البيروقراطيين لتسهيل وتمويل أعمالهم التي لا يمكن أن تنفذ إلا من البيروقراطيين حسب تخصههم ومجال عملهم ، وعلى وفق ما ذكرت فكلما كانت هاتان الطبقتان متعاونتين ومتوافقتين في الأداء كان مستوى كفاءة الأداء متفوقاً ومتميزاً والعكس بالعكس أمَّا في العراق فإني وباستعراض وضع هاتين الطبقتين خلال خمسين عاماً استطيع القول: بإن طبقة البيروقراط هي التي كانت سابقاً متميزة وكفوءة في الأداء وذلك بفضل توافر أعداد مناسبة من المتخصصين في جهاز الدولة منهم من خريجي كلية الحقوق والتجارة والاقتصاد وغيرهم في حين كانت طبقة التكنوقراط ضعيفة الأداء قليلة الأعداد بسبب تأخر افتتاح كليات الهندسة أو الجامعات التكنولوجية أو المعاهد الفنية.

إن تزايد أعداد الخريجين لاحقاً في الجامعات الهندسية والتكنولوجية والمعاهد التقنية وفر لهم الأعداد المناسبة في جهاز الدولة وأصبحت الطبقتان متوازنتين في الإعداد ولكن مستوى أدائهما وتوافقهما فيه قد انخفض إلى درجة كبيرة لما ينبغي أن يكون عليه العمل للمصلحة العامة أو ما يُراد ان يتصف به افرادهما من كفاءة عالية في الأداء الوظيفي وبالاختصاص المطلوب، هذا ولا يخفى على أحد ما تركه الحصار الذي دام لأكثر من ثلاثة عشرة سنة وما تبعها من أحداث عسكرية وإرهابية من أثر في تردي أداء هاتين الطبقتين في عراقنا الجديد .

أعود إلى الطبقة الثالثة التي ظهرت في العراق في العهد السابق واتسع نطاقها وزاد عددها في وزارت الدولة ومؤسساتها في الوقت اللاحق وهذه الطبقة التي جلها هم من طبقة البيروقراط والتكنوقراط وهي الطبقة التي اسميتها في مقالتي هذه طبقة البوكقراط ، وهذه الطبقة لا اعتقد عزيزي القارئ أنك سبق وأن سمعت باسمها أو قرأت عنها أو ذكرت في أي كتاب للمحاسبة أو الرقابة أو التدقيق أو إدارة الأعمال أو الاقتصاد أو الاجتماع ، ولم يدر في خلد كل من تكلم عن الفساد الإداري والمالي أن يختزل المصطلح بكلمة واحدة هي (بوكقراط) ، هذا وأزيدكم علماً -اعزائي القراء- أن هذا المصطلح ليس له وجود في كل دول العالم المتخلفة أو المتقدمة ولا في قواميس اللغات أجنبية أم عربية كانت وذلك لأن حالات الفساد المالي والإداري كانت قليلة ولا يمكن أن تكون طبقة موازية أو طبقة ثالثة أسوة بالطبقتين السابقتين لها -البيروقراط والتكنوقراط- أمَّا كيف نمت وتوسعت وأصبحت طبقة كاملة فهي كما أثبت في مقالتي هذه هي أن البوكقراط بدؤوا يظهرون في مؤسسات الدولة منذ الربع الأخير من القرن الماضي حين زادت الأموال وتراكمت فبدأ الكثير ممن هم في رأس السلطة من البيروقراط بالإفادة من هذه السلطة (أو لكونهم متسلطين) إذ راحوا يغتنمون الفرص للإفادة من هذه الفرصة التي قد لا تأتي، وهكذا تبعهم بعض التكنوقراط ممن هم على استعداد للإفادة والإنفاق مع بعض البيروقراط أو الشركات الأجنبية التي اتسع نشاطها في العراق.

إن ما خلفته الحروب السابقة وحالة الحصار شجع الكثير من مسؤولي الدولة في ذلك النظام والأدنى منهم في السلطات (بيروقراط أو تكنوقراط) إلى الإفادة والتواطؤ وأخذ الرشى في أعمال غير مشروعة ، عندئذ بدأت بوادر ظهور طبقة البوكقراط وهي خليط من منتسبي الدولة من (البيروقراط والتكنوقراط) ولكن من المؤسف إننا نشاهد في سنوات حاضرنا هذه اتساع قاعدة البوكقراط حتى أصبحت منتشرة في أغلب مؤسسات الدولة وأصبحت كحشرة العث التي تأكل في جذع الشجرة حتى تجعلها خاوية تسقط حال هبوب ريح خفيفة عليها.

حمــــــاكم الله من هؤلاء البوكقراط.

 

 

أ. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي


»
  1. سلمت يداك

    Comment بواسطة ماجد — March 31, 2011 @ 4:58 pm

  2. شكرااااااااااااااااا جداااااااا جداااااااا جدااااااااا استااااذي على الفهم الموسع والمبسط في نفس الوقت ……………شكرا لتوصيل ال3 مفاهيم (( :

    Comment بواسطة هلا — August 7, 2011 @ 10:51 pm

اكتب تعليقا