الرئيسية
السيرة الذاتية
مقالات
مؤلفات
البوم الصور
رسائلكم
رثاء
اتصل بنا |
|||
اهلا بكم
أحدث التعليقات بحث في الموقع |
أنزع لها البوت
سألني صديقي الشاب أن كان لدي مقالة او خاطرة جديدة، فأجبته: نعم لدي، فقال: وما عنوانها؟ قلت : ” انزع لها البوت”! ضحك كثيراً وابتسمت معه، عاد فسألني : هل هي على نمط “فوت بيه أوعالزلم خليه” ضحكت، وقلت: بالضبط انها على نفس النمط، ولكن خاطرتي هذه لا تزخرف أو تمجد الهزيمة كما هو في الأخرى فهي وما شابهها من أهازيج لم تكن الا كلاماً فارغاً لا صحة له ولا مضمون. عاد فسألني: ماذا يعني اذن عنوان خاطرتك الجديدة ، انزع لها البوت؟ قلت له: سترى ذلك عند قراءتك لها قريباً انشاء الله، قال: انا في الانتظار. وها أنا ذا أفي بعهدي له بذلك. غالباً ما كنا نسمع من زملائنا، او ممن هم اكبر منا من عوائلنا ومعارفنا ، او ممن هم يقومون بعمل ما يحتاج الى همة او اهتمام ان الامر يحتاج ان ننزع لها السترة، او ان الامر او القضية تحتاج الى (تشليهه) أي رفع اكمام القميص حتى لا يتسخ او يصله رذاذ الماء ، فيكون الامر واضحاً لنا او لغيرنا ان في الامر اهمية او يتطلب الاهتمام. سكنت في طفولتي منطقة ريفية، واغلب اهلها عوائل فلاحية، وكانت هذه المنطقة تمر من خلالها الكثير من الجداول والانهار، بقي في ذاكرتي منظر الفلاحين شيباً وشباباً ، وهم يتعاونون بسواعدهم ذات العضلات المفتولة، والسيقان السمر الطويلة وهي تغوص في الوحل لتتمكن تلك السواعد القوية من كري وتنظيف تلك الانهار من الاوحال والاعشاب، وجعلها صالحة للري لاحقاً، كانت هذه الحملات تتألف من مئات الاشخاص الذين تتعاون سواعدهم جميعاً على الرغم من كونها تأتي من مختلف المناطق لتستطيع ان تنجز بأيام معدودة ما لم تستطع ان تنجزه، بأشهر اجهزة الكري الحديث، انه ذلك التعاون المستمر البناء النابع من الذات من دون قانون او نداء، فهي ترينا كيف يحقق نداء الواجب والضمير والنخوة الحقيقية الصادقة ما لم تحققه التكنولوجيا بكل ثوراتها وتمكنها، ولكني لا اريد ان يفهم من مقدمتي هذه اني افضل الكرك او المسحاة على الكرين او الشفل او غيرها، بل قد اكون من اشد المتحمسين لها، ولكن رغبت ان اوضح مصدر المثل الريفي الشهير القائل: خوض فيها للرجاب ( أو الركاب) ويعني بها ركبة الرجل، دليلاً على اهمية الامر وضرورته مما يقضى الخوض فيه حد الركبة اسوة بحملات الكري التي يخوض بها الفلاحون تعاونا وتعاطفا حتى الركبة ( او الركاب). في بولونيا ، التي كانت تسمى جمهورية بولندا الشعبية سابقاً، وبفضل تعلمنا للغة البولونية عرفنا الكثير من الامثال الشعبية المعبرة واللطيفة لديهم واكثر ما اعجبني منها المثل القائل ( زدايمويه بوتي) أي انزع لها البوت ، او احياناً تقال بطريقة اكثر ادباً ( تشبا بان زدايمويه بوتي) يجب يا سيد ان تنزع لها البوت ( أي الحذاء) ولا اعلم ان كان هذا المثل وارداً من نفس الاسباب التي اوجدت لدينا المثل ( يخوض بيه للرجاب) او غيره، ولكنه بالتاكيد وارد من وجود بعض القضايا او المشاكل ذات الاهمية الكبرى التي تستدعي جل الاهتمام بها ليس بالصور الاعتيادية او الرتيبة المتعارف عليها، بل يجب ان تكون باقصى درجات الاهتمام كما هي حملات كري الانهار لدينا، او رفع الثلوج التي يبلغ ارتفاعها في الشتاء الامتار وتملأ الطرق او الممرات، او ما يماثلها من حالات الطوارئ المتسببة عن الفيضانات أو غزارة الامطار أو غيرها التي يجب ان يحسب لها كل حساب، والامر نفسه نراه في معالجة جملة من متطلبات تلك الاختناق الخاصة بالعمل في هذه الدائرة او تلك مما يعد من المشاكل العويصة، فيكون المثل الدقيق المعبر هو يجب ان تنزع لها البوت دليلاً على ان الامر يتطلب الخوض في وحلها حتى الركاب كما يقول المثل لدينا. في عراقنا الجديد حالياً، القديم سابقاً، هناك الكثير من الامور والحالات التي يتطلب حلها ان ينزع لها البوت، وان ذكرتها تلك عزيزي القارئ قد يكون في ذلك تكرار ممل ولكن ذكر الحالة دليل على صلة الكلام وانطباق المثل ( على رأي المثل كما يقول اخواننا المصريون) على الواقع الذي نتكلم عنه، فكل عراقي في ايامنا هذه حتى يستطيع ان يدبر امور عيشه كـ( نفطه وغازه وبانزينه وماؤه وكهرباؤه، وهوية احواله المدنية ،وشهادة جنسيته وجوازه وانتقاله ومصاريف اولاده ودراستهم وغيرها الكثير من اموره الخاصة) عليه ان ينزع لها البوت، والعراقي حتى يستطيع ان يعيش في داره، في شارعه، او محلته، يقتضي الامر ان يكون هناك مسؤولو تنظيف وادارة ( مخاتير ) وحماية امنية ليلاً ونهاراً وخدمات بلدية واجتماعية يقوم عليها مسؤولون ليس ممن يعدون اياماً ويقبضون رواتباً، وانما مسؤولون ينزعون لها البوت ( يخوضون فيها للرجاب – الركاب) وفي المدينة سواء كانت العاصمة او مركز المحافظة ينبغي ان يكون هناك مسؤولون على امنها واستقرارها ونظافتها وصحتها ، مائها ، كهربائها ، اتصالاتها والنقل داخلها او خارجها ، واسكان ابنائها ، ومدارسها ، ومعاهدها، والرعاية الاجتماعية والانسانية فيها وغيرها الكثير من الامور والشؤون. ينبغي على هؤلاء المسؤولين ان ينزعوا لها البوت، وان سألتني كيف يكون ذلك؟ فاقول لحضرتك عزيز القاريء هو ان يكون موقع هذا المسؤول في قلب الحدث، وليس خلف المكتب حيث يعتقد الاداريون البيراقراطيون ان حل المشاكل يمكن ان يكون على وفق كتابنا وكتابكم وبالهوامش والمطالعات وطول الورق او القصاصات او بموافق وحسب القوانين والتعليمات، أو السيد المدير والسيد المدير العام، حل المشاكل والمعضلات يتطلب ان يستطيع المسؤول ان يتخذ القرار ويمسك بالزمام ويكون في موقع الحدث لاتخاذ القرار بلا خوف من مسئولية، ولا تفكير بوجود صلاحيات حتى في الصرف وتوفير الاموال، إذ يمكن تجاوز القانون والتعليمات وفق قانون ساسون حسقيل، في قانون اصول محاسباته العام، حيث اورد نصاً اجاز للمسؤول اتخاذ القرار وتجاوز الممنوعات ان كانت المصلحة العامة تتطلب مثل هذا القرار، ولكن نادراً ما بادر مسؤول باتخاذ مثل هذا القرار الجريء، لان الخوف من المحاسبة والمسؤوليات تجعله خائفاً من اتخاذ القرار فلا ينزع لها البوت ولا يخوض بها للرجاب، بل دائماً هو دخيل رب العباد، فكيف يسهل حل المعضلات بدون جهد وعناء؟ وان استمررت في الكلام فاني اقول ان اوضاعنا تتطلب ان يخوض المسئول من اجل انهاء الازمات التي على المسئول عن حلها ان يتخطى حتى الرجاب (الركاب) او ان ينزع لها البوت، لان عليه الوقوف على صغار الامور وكبائرها في وزارته ، قطاعاته ، مؤسساته، او أي تسمية كانت، فلا بدلة و لارباط، بل سفاري كسفاري ماوتسي تونغ حيث لا تشليه ولا نزع بوت اذ يساعد السفاري على الخوض فيها حتى الرجاب، ولا مكاتب فارهة ولا سكرتيرات، بل منضدة بسيطة وغرفة بلا مكيفات، بل بضع مهفات حتى تعود الكهرباء، وبفضلها يعود الماء والذي بفضله تعود الحياة ، ويضخ البانزين والكاز ويلحقها النفط والغاز وتفتح كل انواع الحوانيت الابواب ويدب النشاط الاقتصادي ولا يبقى عذر لهذا المسؤول الصغير، او الكبير، او ذاك فينزع جميعهم البوت ويخوضون بها حد الرجاب لتعود الحياة الى وزارتهم ومؤسساتهم بعد ان كل ذلك يا عزيزي القاريء حصل بعد ان نزع مسؤولنا لها (البوتات) متجاوزين راحة وعذوبة مكاتبهم الفارهة المبردة بالاركندشنات.
أ. د. ماهر موسى العبيدي أكاديمي عراقي
اكتب تعليقا |
||
الرئيسية |
السيرة الذاتية |
مقالات |
مؤلفات |
البوم الصور |
رسائلكم |
رثاء |
ط§طھطµظ„ ط¨ظ†ط§
جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستاذ الدكتور ماهر العبيدي ©2009 |