اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

كتابات – علي حسين القيسي

 

فقدت الاوساط العلمية والاكاديمية ، الاسبوع الماضي ، مفكرا جليل القدر وعالما مخلصا من العاملين  لخدمة العلم والمعرفة في عراقنا الحبيب الذي خسر الكثير من هذه الكفاءات العلمية النادرة  التي همها كله كان منصبا على تقديم ما يمكن ّ الاجيال  من  التحصيل العلمي خدمة للعراق الذي احبوه وافنوا عمرهم كله في بنائه والنهوض به ، حتى سقوط بغداد 2003 فأصاب اهل العلم والمعرفة ما اصابهم من تقتيل وتشريد في المنافي البعيدة بعد تعرض شرائح  واسعة منهم للموت اغتيالا واختطافا آثماً اقدمت عليه شراذم جاءت  تحت مظلة الاحتلال لتفرغ البلد من علمائه ونوابغه  خدمة لاسرائيل اولا ولمن له مصلحة من اعداء الامس الذين واتتهم الفرصة للانتقام من هذا البلد المعطاء المبارك بما يملك من طاقات علمية قادرة على مداوات جراحه التي خلفها المحتل الامريكي البشع .  

فقد نعت جريدة الصباح بعددها الصادر يوم الاثنين 26كانون الثاني “المفكر الاستاذ الدكتور ماهر موسى العبيدي مستشار وزير التعليم العالي والبحث العلمي وأحد كتاب الصحيفة المتميزين ، الذي وافته المنية اثر نوبة قلبية ..” 

وذلك بعد يوم واحد فقط من مفارقتي له فقد لازمته اربعة ايام متتالية في مؤتمر علمي عقد بمدينة السليمانية برعاية كريمة من لدن نائب رئيس الوزراء الدكتور برهم صالح الذي بهرنا بتواضعه وحرصه على مراعاة العلماء الذين استضافهم هناك لتطوير التعليم العالي في العراق وهو الاكاديمي الفذ الذي يعرف قيمة وقامة من دعاهم . 

                                                           ******

 حال وصولي فندق(ميم وزين  ) بمنطقة سرجنار كصحفي استضيف لتغطية فعاليات المؤتمر .. وضعت حقيبتي ونزلت الى صالة الضيوف كي ابدأ عملي في تقصي المعلومة الصحفية القادرة على تغذية قلمي بما يمكنه من القيام بالواجب الذي كلفت به ..لم اكن اعرف احد من الضيوف ولكن ما ان جلست حتى كان الرجل بقربي فسألته بخجل : جنابكم من المدعويين للمؤتمر ؟ فأجابني بهدوء : نعم ..فقلت له انا صحفي جئت اغطي المؤتمر لصالح صحيفتي التي منحتني الثقة . فرد هو الاخر ؛ انا الدكتور ماهر موسى العبيدي . وقبل ان يكمل بقية كلامه مددت اليه يدي مسرورا وقلت ؛ اهلا وسهلا دكتور انا من المتابعين لمقالاتك التي تنشرها الصباح بل من المعجبين بها . لم تفارق الابتسامة محياه وكرر ترحيبه لأبدأ بصداقة طيبة مع رجل عالم بحق ، متواضع ،كريم بما يملك من افكار ورؤى خصبة  احسست كأني اعرفه من سنوات طويلة وكان مفتاحي في تلك اللحظات لمعرفة افراد الوفد واحدا تلو الاخر ، فهذا رئيس جامعة النهرين ، وذاك رئيس المجلس العراقي للتخصصات الطبية ،والاخر رئيس جامعة تكريت ، وهذا الدكتور مساعد رئيس الجامعة المستنصرية .و..و..واذا بي اجد نفسي امام ثلة ممتازة رفيعة المستوى  من الاكاديميين الكبار في بلادنا العزيزة وهكذا قضيت اياما اربعة فيها من الثراء المعرفي الشئ الكثير .. 

*****

 

 عرفت منه ان المبادرة التعليمية التي اطلقتها الحكومة مؤخرا والهادفة الى ارسال 10 الآف طالب سنويا للدراسة في الجامعات العراقية ولمدة 5 سنوات ستحدث نقلة نوعية في  التعليم العالي ومن ثم سيكون اثرها كبيرا على مستقبل البلد الذي لحقه الحيف جراء الحروب وكذلك الحصار الذي كان وقعه اشد واكثر دمارا للانتلجسيا العراقية التي غذت الجامعات العربية بكفاءات  رفيعة المستوى عرفتها جامعات الاردن وسوريا وليبيا واليمن وبعض دول الخليج التي احتضنتهم لعلمهم ومهارتهم ونزاهتهم .وهنا ذكرته بمقال نشر قبل شهور في احد المواقع الالكترونية يشكك بنزاهة بعض العاملين في وزارة التعليم العالي وقد مسه شرر تلك المقالة .ضحك الرجل وقال مادحا ؛انك متابع جيد ؛ ان من كتب المقال واحد من المغرضين داخل االوزارة وكتبه بدوافع بغيضة وباسم مستعار وذلك لجبنه وكذبه وقد قلت امام الوزير ؛ اتحدى كاتب المقال ان يثبت ادعاءه ليس في الفترة الضبابية التي تلت الاحتلال وحصل فيها ما حصل مما لايخفى على احد فحسب بل طوال خدمتي الجامعية والوظيفية التي تجاوزت النصف قرن  .. 

لمست ان كلامه خارج من القلب ، اذ وقع في قلبي حالا.. دلالة على صدق الرجل . وبعد كل جلسة بدأت تنعقد بيننا آواصرصداقة  جديدة مفعمة بالود والاحترام لرجل يدخل القلب منذ اول لقاء ويبدو انه بادلني ذات الشعور اذ ما ان يراني جالسا في صالة الانتظار حتى يقبل علي لنكمل حديثا قد قطع في الجلسة السابقة وطلبت منه اجراء حوارا يخص التعليم العالي وهمومه ومشاكله وتطلعات الوزير الذي حصل على شكر المرجعية الدينية في النجف لحسن ادائه ومهنيته العالية ، فأجل الحوار الى جلسة اخرى دعاني اليها بمكتبه في بغداد وزودني بارقام هاتفه ، وكنت اتوقع ان يكون لقاءا حافلا لأنهل من ينبوع صاف من ينابيع المعرفة والتاريخ ، فقد كان رحمه الله محدثا لبقا زاخر المعلومة لا اظنه يبخل بها على احد وهو الذي قضى حياته كلها متفرغا للدرس الاكاديمي بجد واخلاص .. 

وبموته طيب الله ثراه نكون قد خسرنا استاذا نبيلا وودودا قادرا على اغناء الثقافة والعلم بما يملك من ادوات واسعة مثلما خسره طلابه واحبابه بل الخسارة الكبرى هي التي ستتكبدها بموته الثقافة العراقية الان التي هي باشد الحاجة الى المفكر الاستاذ الدكتور ماهر موسى العبيدي وامثاله الذي بهم ارتفعت سارية العراق العلمية عاليا .

  فله الرحمة والمغفرة ولاهله وطلابه ومتابعي كتاباته الصبر والسلوان.

 

كتابات – علي حسين القيسي

 

 

»

اكتب تعليقا