اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

رأس الخـيط

 

لا يختلف أثنان في أن للأمثال والقصص الشعبية الكثير من الحكم والعبر الهادفة او المعبرة عن الكثير من المواقف الشجاعة أو المتخاذلة، والمواعظ الهادفة او الساخرة من المساوئ او السلبيات الكثيرة التي تحدث في مختلف مجالات الحياة، كما ان لأغلب القصص والحكايات معانيها البليغة سواء أقصت بأسلوب حزين أم مضحك وعلى مدى نصف قرن من الزمن تعود الى ذاكرتي ذلك المثل الشعبي الشهير – المنسي حالياً – ولكنه ينطبق على الكثير من المواقف والأشخاص الذين تسلموا زمام الأمور غير قادرين عليه او يوكل لهم ما لا طاقة لهم عليه للحكم على كثير من الأمور وهم ما زالوا لا في عمر ولا علم ولا خبرة فيؤدي توليهم لمقاليد هذه الأمور أن يختلط الحابل بالنابل فلا حكمة ولا فائدة لإجراءاتهم وقراراتهم إن لم تكن عودة الى الوراء او تكون – خيط وخرابيط – فنحتاج الى تقويم ما تؤديه من اعوجاج وخراب الى مئات ان لم تكن الآلاف من الإجراءات والقرارات وهي وإن قومت فستكون بعد فوات الأوان او كما يقول المثل أيضاً بعد خراب البصرة .

نعود الى قصة مثلنا الذي نصه الكامل يقول :- ( رأس الخيط بيد الزعاطيط ” الاطفال ” ) إذ يحكى أن جمهرة من الوجهاء والعارفين بأمور الدنيا والدين اعتادوا الحضور في مجلس أحدهم للتحدث بشتى الأمور التي يهتم بها الحضور، ان احدهم ممن اعتاد التحدث في هذا المجلس دائماً، كان يعتقد بعض الحضور أن في بعض أحاديثه عدم الصحة والدقة، ولما ضاقوا ذرعاً بذلك اتفقوا على مصارحته بهذا الامر وبيان أخطائه، وفي احد الايام اجتمعوا اليه وأبلغوه بما يعتقدون وصارحوه بأخطائه من احاديث ومواعظ التي كان يلقيها عليهم في المجلس، ولكنه لم يوافقهم على ذلك، بل أصر على صحة ودقة كل ما يقوله من موعظة وحكمة، وبين اخذ ورد اتفقوا ووافقهم على رأي أحدهم بأنهم لكي يثبتوا له أخطاءه وينبهونه عليها سوف يقوم احدهم بربط خيط في يده – ولربما في مكان آخر- حينما يتكلم خطأ سوف يسحب ذلك الخيط من قبل أحدهم لينبهه على خطئه في عدم الدقة فيما يقول أو يتكلم، وفي اليوم التالي لإبرام ذلك الاتفاق وحالما أنعقد المجلس وأذن له للحديث فيه قام أحدهم بربط الخيط في المكان المتفق عليه وعندما صعد كرسي التحدث كان قد فات على الجميع الاتفاق على من يمسك الطرف الآخر من الخيط، لذلك تلقفه ( الزعاطيط ) الأطفال الذين اعتادوا الجلوس قريباً من كرسي المتحدث، ولما كان الأطفال على علم بالاتفاق بادروا بسحب الخيط حال بدء المتحدث بالكلام واستمروا على هذا الحال سواء تكلم خطأ أم صحيحاً وبعد مدة من الحديث واستمرار الأطفال بسحب الخيط ، ضاق المتحدث ذرعاً بهذا الحال، فنزل من الكرسي وهو يصيح آمنت بالله بأن كل كلامي غير صحيح لأن رأس الخيط بيد الاطفال ( الزعاطيط ) .

أتذكر هذا المثل الشعبي ( الحكاية ) كثيراً كلما أرى او ألمس الكثير مما يقوم به الزعاطيط من أعمال او تصرفات او أجراءات بحكم ما اوكلت اليهم من مسؤوليات ( مسك الخيط من الطرف الاخر ) او ما منحوا من صلاحيات هم ليسوا مؤهلين لها ولا قادرين عليها ولأربعة عقود من الزمان جعلت كل المؤهلين او عباقرة المتحدثين يصرخون – على مضض – لكثرة ما يتبجح به ويدعيه الزعاطيط، ولكثرة ما يتصرفون ويقرون لتخطئه الذين يفقهون ويفهمون، جعلت هؤلاء الآخرين يهرولون وهم يصرخون، اللهم اشهد اننا لا نعرف ولا نفهم لأن ( رأس الخيط بيد الزعاطيط ) .

 

أ.د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا