اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

إذا الإيمان ضاع فلا أمان

 

لا يستطيع أي امرئ ذي عقل سليم ان ينكر ـ أو يدعي انه لا يعرف ـ ما للأديان السماوية التي أنزلها الله على أنبيائه (عليهم السلام) من فضل على البشرية وانتقالها ـ ومنذ الاف السنين ـ من مجتمعات همجية تعيش حياة بدائية لا تختلف كثيراً عن تلك التي تعيشها الحيوانات ، إلى مجتمعات متحضرة ، يسودها الخير والرحمة والتعاون .

ولا أعتقد أنها وصلت الى ذلك إلاّ بإيمانها بربّها ، وما أنزله عليها من آيات العلم والمعرفة و الاخلاق ،التي تضمنتها الكتب السماوية المقدسة للأديان، التي نظمت علاقة الفرد بغيره من بني البشر ، وعلاقته بربه .

ولا تختلف المجتمعات في ذلك إلاّ بمقدار هذا الإيمان ، الذي تتفاوت فيه بين مجتمعات مؤمنة إيماناً متجذراً في كل مفاصلها ، وملتزمة بكل ما انزله الله على إنبيائه ورسله ،في معارف ابنائها وأخلاقهم ، ومجتمعات تفيد من غيرها  في عاداتها وأخلاقها فتأخذ منها أفضلها ، وأكثرها مناسبة لها.

وفي عراقنا ، وتاريخه الحديث ، تؤكد الوقائع ـ وما كتب عنها ، وما قيل فيها ، وما تحدث به المتحدثون وأرّخه المؤرخون ـ أن ماحصل في ثورة العشرين ( تلك الثورة العارمة التي زلزلت اقدام الامبراطورية البريطانية ) كان سببه الرئيس هو الشعور الوطني والسعي لطرد المحتل , وأن الباعث على هذا الشعور وذلك المسعى كان الالتزام الديني ، والإيمان الذي أشعل جذوة الثورة على الاحتلال إذ لا يستقيم وجود الاحتلال مع ما يفرضه الدين من جهاد في سبيل الله ،و أنقاذ للوطن من براثنه ، فلا يؤدي وجوده الاّ الى تخريب البلاد ونهب الثروات ، وليس لديه وسيلة أسهل وأمضى لتحقيق مآربه من تخريب الاخلاق والقيم التي تستند إليها ، والتي عززتها وأكدتها الاديان السماوية ، وفي مقدمتها ديننا الاسلامي.

لقد كان محرك ثورة العشرين ودافعها الاساس الشعور الديني بالواجب الوطني المقدس ، فقادها رجال الدين في العراق من مختلف الطوائف والاديان, وقد قرأت مراراً ـ ما أكده المؤرخون والسياسيون ـ ان تلك الثورة العظيمة جعلت دهاقنة الاستعمار البريطاني يفكرون في أسرع السبل التي يمكن ان تحجم هذه العقيدة الراسخة ـ والالتزام بها ، والطاعة التامة لقيادتها ـ فتفككها لتضعفها.

وبدأت تعمل بأسلوبين، اولهما اضعاف تدريس الدين في المدارس الحديثة التي أنشأتها وبنت النظام التعليمي بموجبها, وثانيهما إضعاف الوازع الديني في الحياة العامة.

فكان درس الدين ـ كما اتذكر ـ درساً ثانوياً ، قبل ثلاثين عاماً أو أقل أو أكثر،  حتى أن الكثير من الطلبة لا يؤدون امتحان درس الدين أو التربية الاسلامية.

وكان هذا التوجيه ـ ولازال ـ عاملاً من عوامل إضعاف الالتزام الديني لدى الطلبة ، من الابتدائية حتى الاعدادية ، وهي المرحلة الأهم التي يبدأ فيها البناء التربوي والاخلاقي بالنضج ، ومن المؤكد أن ذلك ينسحب على الطلبة الجامعيين.

وخلال فترة ثمانين عاماً مضت ، شهدت بلادنا ظهور أحزاب تعتنق مبادئ رجعية متخلفة ، وأخرى بمبادئ ليبرالية ، أو علمانية ، أو شيوعية ، أو مبادئ ماركسية ، أو وجودية ، أو حتى شيطانية مختلفة، إلا أن السلطات كانت ترتعش خوفاً من أي توجه نحو تأسيس حزب اسلامي يعتنق المبادئ الاسلامية وشريعتها السمحاء ، متذرعة  في ذلك بشتى الذرائع ،

أما غالبية أبناء الشعب ، فهي لا تعلم ماذا تفعل أو تقول ، اما خوفاً من بطش السلطات ـ التي لم تكن تتوانى عن فرض اقصى العقوبات ـ أو أنها غير مطلعة على احكام الشريعة الاسلامية بما يكفي لإدراك أن الدين تنظيم لحياة الأفراد بكل أشكالها , أو أنها متأثرة بما يروج له المعجبون بالثقافات الغربية و افكارها العلمانية ، أو الحكام المتسلطون الذين كانوا يريدون بقاء تسلطهم ودكتاتورياتهم بالفصل بين الدين والدولة ، بانصراف علماء الدين الى شؤونهم الدينية وترك أمور الدولة لهم ، وحقيقة هذه الدعوة تبرير أستئثارهم بالسلطة واستمرارهم بنهجهم الدكتاتوري وأبتعادهم عن الديمقراطية ،التي يتشدقون احياناً بها ، وهي منهم براء.

أعود الى عنوان خاطرتي هذه التي أقتبستها من قصيدة الشاعر الباكستاني العظيم أقبال لأنها حقيقة واقعة في عراقنا هذا, وماذكرته في الجزء الاول من هذه الخاطرة , يبين أن ماحل بنا من أحوال ، كان بسبب عدم اهتمام الدولة والنظام التربوي بالتثقيف الديني ، الذي يرسخ قيم ومثل الفضيلة في كل شيء ، في الدنيا والآخرة .

 فضعف الوازع الديني سبب رئيس للكثير من المشكلات الأخلاقية ، والسلوكيات المنحرفة ، لأن الشريعة الإسلامية نظمت حقوق الفرد وواجباته ، ولو بحثنا في خلفية تربية من يسرق ، أو يغش ، أو يرتشي ، أو يكذب ، لوجدنا خللاً فاضحاً في الالتزام الديني ، لأن الدين حدد حكم السارق ، ومنزلة يغش  (من غشنا فليس منا) ولعن من يرتشى , ومن يكذب ، بل أن نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) عد الكذب باب كل المعاصي والكبائر .

وإذا أردنا علاج كل هذه الآفات ، فالدين هو البلسم الشافي ، ورحمك الله أيها العظيم الشاعر والفيلسوف أقبال.. إذ قلت :

إذا الإيـمان ضاع فلا أمان       و لا دنيا لــمن لم يحي دينا

 

 أ. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا