اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

استضعفوك فوصفوك

 

عندما كنا طلاباً في الصف الثاني المتوسط كان مدرس الرياضيات يهوى الشعر العربي، ولطالما كان يحول درس الرياضيات ليكون درساً في الادب العربي يقرأ لنا قصائد جرير والفرزدق وابو العلاء المعري الذي كان فيلسوفاً ونباتياً كذلك ( أي لا يأكل اللحوم وانما غذاءاً نباتياً فقط ) وذلك لرأفته بالحيوانات ورفضه لقساوة ذبحها كما قص علينا المدرس ( يرحمه  الله ) ولكن ابو العلاء المعري عندما اشتد عليه المرض يوماً ابى ان يحتسي حساء الفروج حين قرره أطباءه لان ذلك احد عوامل شفاءه وبعد أصرارهم على ذلك وأجبارهم له باحتسائه تناول الصحن وقربه الى فمه وقال ( استضعفوك فوصفوك هلا وصفوا شبل الاسد ) فأي حكمة رائعة في هذه ويالها من فلسفة عميقة ونحن نشاهد ونرى ونسمع بظلم الضعفاء وأذلالهم لا لسبب الا لأنهم فقراء وكم يعز الاقوياء ويكرموا لا لشئ إلا لأنهم أغنياء ذو جبروت ومال، تذكرت قول أبو العلاء المعري هذا وترجمت على مدرس الرياضيات الذي أعلمنا بشئ من فلسفته الذي قال فيه الشاعر الجواهري :-

       قم بالمعرة وأمسح خدها التربا                            واستوح من طوق الدنيا بما هوبا

     لثورة الفكر تـاريخ يحدثنـــــــا                            بان الف الف مسيح دونها صـلبا

 أقول تذكرت القول ونحن نقرأ ونسمع ونجادل كثيراً حول موضوع تحويل شركات قطاعنا العام الى القطاع الخاص وليس القطاع الخاص الوطني ولكنه القطاع الخاص الاجنبي وإذا ما استقرئنا الشركات الصناعية العامة المهيئة للذبح ( أي المخصخصة ) نجد منها الاتي على سبيل المثال وليس الحصر ( كما علمنا والله اعلم ) :-

  1. شركة الصناعات القطنية .
  2. الشركة العامة للصناعات الصوفية .
  3. الشركة العامة للألبان .
  4. الشركة العامة للأدوية / سامراء .

 وهكذا هم جزءاً كبيراً من شركات تميزت بالعراقة في الانشاء واصالة في الانتاج وشهرة واسعة في العلامات ووفرة في الارباح وان لم تكن كذلك فهي ليست بسبب كونها عامة بل بسبب ضعف كفاية اداء مسؤوليها وان فتشت عن أسباب ذلك نجدها غالباً فضلاً عن ظروف عامة اخرى هو تسلم أدارتها مسؤول غير مناسب في مكان غير مناسب، فإذن ما حدا بدا وهذا التوجه السريع نحو هذه المؤسسات بذبحها ( خصخصتها ) .

 أني استطيع ان أجزم أن أسباب ذلك هو كونها مؤسسات ناجحة وليست فاشلة وهي مؤسسات عريقة وليست نكرة او موهومة وهي مؤسسات رابحة واقرة وليست خاسرة، وأن سجلت خسارة أو فشلاً ما فأن إصلاحه وتقويمه أمراً سهلاً وبسيطاً أن أسندت إدارتها إلى إدارات ومسؤولين أكفاء أقوياء متعلمين ومتخصصين في الاختصاص والادارة اما تسبب امر خصخصتها لكبوتها فانه لأمر حق يراد به باطل فلماذا لا نلجأ الى الاساليب العلمية الفنية والاقتصادية والإدارية الصحيحة لتقويمها بدلاً من طرحها للاستثمار الاجنبي لألتهامها، السبب في ذلك يا اخوان إنها الدجاجات التي ستبيض لملتهميها ذهباً والتي ستمكنهم من استعادة رأس المال خلال بضع شهور وليس سنوات لذلك فأنا أقول لهذه الشركات أستربحوك فيريدوا أن يخصخصوك وليس غير ذلك وان لم يكن كذلك فلماذا لا يخصخصوا شركة الكهرباء وهي علة على العلل في الاقتصاد والمجتمع العراقي ولماذا لا يخصخصوا الشركة العامة للأتصالات الهاتفية والتي تقدم أسوء الخدمات الهاتفية واكبر مصدر لأزعاج المواطنين من أصحاب الهواتف من مشتركيها ولماذا لا يخصخصوا شركات نقل الركاب التي نهبت كل حافلاتها التي تحفل بها شوارع العراق والدول المجاورة ولماذا لا تخصخص مصلحة المجاري العامة التي طفح الكيل بأنسدادات مجاريها ولماذا لا يخصخصوا هذه الشركة او تلك من أفشل الشركات اكثرها فساداً في الادارة والاداء وان أستعرضنا مثل هذه المنشآت والشركات والمصالح لوجدناها قائمة طويلة تفوق أضعاف أضعاف الشركات المهيأ للخصخصة، إن هذه الشركات او المنشآت او المصالح لو خصخصت لقال لها الناس مع السلامة ( روحة بلا رجعة ) فلماذا لا تخصخص هذه الشركات والمصالح هل نقول لها  (أستسخروك فلم يخصخصوك فأنت أشبه بشبل الاسد ) الذي تحدث عنه المعري، لأن من يريد أن يلتهم أقتصاد العراق يسهل عليه التهام الشركات التي هي كالدجاج الذي وصف حسائه للمعري وهنا سيكون حسائها ذهباً وان الشركات والمصالح الفاسدة هي كأشبال الاسود يتركوها لألتهام ما تبقى من أموال العراق وما في جيوب العراقيين أن تبقى فيها شيء ورحم الله ابو العلاء المعري الف الف مرة .

 … ودمـــتـــم …

 

 أ. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا