اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

الزراعة في العراق الى أين المسير وما هو المصير؟

 

في اواخر الاربعينات وحتى اواخر الخمسينات عندما كنت أعيش في منطقة ريفية زراعية كان أكثر من ترك أثراً طيباً وبهيجاً في نفسي خلال تلك الفترة هي المروج الخضراء والزرع الوفير بالحنطة والشعير وايام الحصاد الجميل اذ تتناثر في المزارع أكداس الطعام الوافر من غلة وحبوب وكأنها أكداس من الذهب ويوم الجمعة فهو يوم الوقفة يجلب الفلاحون قطعان الخرفان والابقار ومنتجاتها من أصواف ودهون واجبان اما الدجاج والبيض فيعرض بكثرة كثيرة اكثر من العجاج وكان سعر الدجاجة بدرهم والبيضة بفلسين .

اسفاً على ذلك الزمان الوافر الخيرات الذي أشترى لنا فيه والدي بقرة يقال ان اصلها انكليزي كانت تدر الحليب سطلات نشرب ونأكل منها ما لذ وطاب ورغم فساد الاوضاع وأستغلال الاقطاع لفلاح ولكن قوة الاقطاع ومركزية الاداء كانت العامل الاساس في غزارة الانتاج .

قامت ثورة تموز العظيمة وكانت المؤتمرات تحيط بها من كل صوب وفج فوضعت نصب عينها ان تتحاشى الهزيمة و ادركت ان الاقطاع هو رأس الحربة على الثورة فعملت جاهدة على تفتيت سلطته وقوته فأصدرت قانون الإصلاح الزراعي الذي استولت فيه على الاراضي وزرعت قطعاً صغيرة للفلاحين وعوائلهم الفقيرة وتمت العملية بصورة سريعة لكن ما حصل بعد ذاك ضعف الاداء وعوز الفلاح للمال ( المساعيد او السلف ) التي كان يحصل عليها سابقاً من الملاك وبدلاً من الاهتمام بكامل الارض الشاسعة أنصب الاهتمام على القطعة الضيقة وفي ظل وزارات دولة مباينة الاداء والكفاية ( وكأنها اشبه بخيول السباق احدها في المقدمة والاخر في المؤخرة ) هبط الانتاج وبدأ القيل والقال وخصوصاً عندما اختفى تمن العنبر ولحقه صابون ابو الهيل حتى ظهر على التلفاز سيادة الزعيم وطمأن المواطنين بأن الحكومة أتخذت خطوات لسد الفجوات ثم نزل التمن البسمتي ولم يكن طيب المذاق لونه اخضر لا طعم ولا رائحة ولكن سلم العراقيون امرهم لله اذ لم يكن هناك وافر من العنبر .

في كلية التجارة والاقتصاد كانت هناك مجموعة من التدريسيين الشباب درسوا الاقتصاد وتعلموه في جامعات الغرب الرأسمالي وعلمونا في محاضراتهم علماً مفاده ان اسباب تخلفنا هو اننا نزرع ولا نصنع وما دمنا هكذا فلن يكون مقام وما علينا التحول من الزراعة الى الصناعة وقالوا انظروا الى الدول المتقدمة التي أبقتنا نزرع وهي تصنع فحققت رقي المقام وان كنا ننشده فما علينا الا ان نتحول الى بلدان تصنع ولا تزرع فيتحقق النمو ويزول التخلف ونصبح دولاً راقية وانطلت الخدعة علينا وعلى مسؤولينا وبدا الاهتمام بالصناعة واهملت الزراعة، فماذا حصل يا أخوان ؟ الذي حصل اننا لم نخض بهذا ولا ذاك فلم تتطور الصناعة وتدهورت الزراعة وبدأ الاعتماد على الاستيراد من الدول الراقية التي طورت الزراعة وقدمتها على الصناعة وفاض فيها الانتاج حتى كان يتلف ولا يباع لا بل اصبح وسيلة للمزاح في الهرجانات او السباحة في عصيرها وتتبرع وتصدر الفاسد منه فتصوروا اين وصل اليه الحال وما آل اليه المال .

 بعد 1968 كانت هناك حملات لأستزراع لم تسمن ولم تغني من جوع لا بل تراجع كل شئء الى الوراء وبدأت الطوابير كيلو وكيلو من خضرة او فاكهة حتى سهل الله علينا وأُمم النفط ونزل علينا المن والسلوى فكان من السهل الاستيراد وتوجهنا صوب كندا والامريكان نستورد القمح بالدولار فسهل على فلاحنا شراء الطحين المدعوم بدلاً من زراعة القمح لأن في ذلك اعباء وكلفة وغلاء واستمرت هذه السياسة في الزراعة تدعم الامريكان وندمر العراقيين ولو كان العكس كما أنتهجت حكومة نجد والحجاز لتحولت صحارى العراق الى مروج خضراء تغل من الحنطة والشعير الكثير الوفير بدلاً من استيراده وخسارتنا لمال غزير واستمرت هذه السياسة الخاطئة حتى وقع الفاس بالراس وبدأنا نتوسل بالفلاح ونرفع الاسعار ليزيد من الاسثمار ويوسع الاستزراع ولكن بعد فوات الاوان وضالة القدرات وضعف الامكانات .

وفي الختام وهذا هو المرام اقول للزراعة في العراق الى اين المسير وما هو المصير ؟

 

أ.د. ماهر موسى العبيدي

اكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا